ستذهبينَ إلى بحرِ يافا- رانية مرجية
وقفتْ طويلاً أمامَ المرآةِ وتفحّصتْ ملامِحها عشراتِ المرّاتِ
هل يُعقلُ أن تتغيّرَ ملامِحي بينَ عشيّةٍ وضحاها؟
حاولتْ أن تصرخَ بأعلى صوتها: اُخرُجْ منّي يا ملعون.. لا مكانَ لكَ بِحياتي.
لكنّهُ شيطانُ الاكتئابِ ربطَ وعطّلَ أوتارَ صوتها.
حاولتْ أن تعزفَ على نايها القديم الّذي أهملتُهُ سنواتٍ، إلاّ أنّهُ عاقبَها أيضاً، وأبى أن يستجيبَ لها.
شعرتْ بقشعريرةٍ تسري في أنحاءِ جسدها السّجينِ، فها هي تتمكّنُ منها، وترتعدُ كافّةُ عظامها برعشةٍ شديدةٍ هزّتْ معَها كلَّ جزءٍ مِن كيانها.
ردّدَ عقلها الباطنيّ: أنتِ أقوى مِن الاستسلامِ.. أصلبَ مِن الانهيارِ.. لن أسمحَ لكِ بالسّقوطِ في براثنِ الاكتئابِ.
رفعتْ قلبها إلى السّماءُ في خشوعٍ تتضرّعُ: إذا أنتَ يا ربُّ معي، فمَنْ يكونُ عليَّ؟ أشِدَّةٌ، أم ضيقٌ أم اكتئابٌ؟
بدأت القيودُ تتفكّكُ.. لا تدري كيفَ.. بلمحةِ بصرٍ انتقلتْ مِن قبضةِ الاكتئابِ إلى سلطانِ الأملِ والرّجاءِ، سَمعتْهُ يَحثُّها:
اِبكي في حضرةِ اللهِ، لأنّ الدّموعَ قوّةٌ، وتَحريرٌ، والآنَ سأتركُكِ للجمهورِ يا عزيزتي.
قالت: لكنّي متعبةٌ...
أمسكَ بيدها، وقال: الجمهورُ، وحبُّ النّاسِ رصيدُك بالحياةِ.. اُتركي حزنَكِ الآنَ، وبعدَ العَرضِ ستذهبين إلى بَحرِ يافا، وستصرُخين: اُخرجْ ..اُخرُجْ يا ملعون.. ستغرقينه في البحرِ.. لن يُقاسِمَكِ الفراشَ والمأكلَ والمشربَ أو أيَّ شيءٍ.
أسدلَ السّتارَ، وعادتْ تبتسمُ من كلِّ قلبها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق