( تجليات امرئ القيس )
ندبتُ فؤادي من حبيبٍ ومنزل
وعمرٍ مضى في حصدِ ريح ومنجلِ
وكأسٍ وللأيامِ في نُدَمائها
حكايا فيا سِفْرَ الصبابةِ هَلِّلِ
وشَيبٍ كأن النورَ من جَنَباتِه
يشعُ فيُغني عن حديثٍ لِمِقوَلِ
يخبِّرُني أنَّ الذي مرّ مُدبِراً
مضى والذي يأتي فليسَ بمُكمِلِ
وما للّيالي الداجياتِ على أسى
رحيلٌ ألا يا روحَ قلبيَ فارحلي
فكم طالَ ليلي والنجومُ شواهدي
وكم عزّ صُبحي مثقلاً بالتمَلمُلِ
فإنَّ الذي أغواك دهراً على بِلىً
وإن الخطى منه يقيناً لِمقتَلِ
ودارٍ بَرَت مني سنينَ صبابتي
وقد كنتُ فيها من فَتِيٍّ مُدَلّلِ
بها الطيرُ والأفنانُ والغسقُ الذي
له حظوةٌ في الروحِ كم فيه نختلي
وعينُ عذولٍ قد تَكشَّفَ شزرُها
وعينُ حسودٍ قد تَخفّى بمعزلِ
كأنَّ شموساً أشرقَت بعد غيبةٍ
وبدرُ الدجى لمّا يُطلَّ فيُجمِلِ
أيا واحةَ السُّمارِ كم طابَ جمعُنا
على وقْعِ تشبيبِ القصيدِ المُجَمَّلِ
لأنشِدَ قولي من نَجوعِ خواطري
وأطرِبَ فيها من خليٍّ ومُشغَلِ
تخاصمنَ حولي كلُّهن نواظرٌ
وأخفينَ ما يُضني جَهارا لينجلي
فيفضح من فرطِ المودةِ ما بهِ
يؤمِّلنَني همساً وخنساً بمُقبِلِ
وفيهن من كادت لأترابِها على
مكامنِ قلبٍ ما لهُ من مُحَوِّلِ
كأنيَ لم أفصِحْ وفي القلبِ غصّةٌ
وإنّ الذي سوى القلوبَ لَمُبتلي
ويجهَلْنَ أني مغرمٌ بنسيمها
رسولاً إذا ما مرَّ يوماً معلِّلي
أحدِّثُه عن سرِّ نجوى تملّكت
فؤادي بنارِ الشوقِ فيه ليَصطلي
وأسألُه رفقاً إذا عنّ ذكرُها
ففي الجرحِ جمراتٌ وقعنَ بمنزِلِ
أيا رعشةَ الروحِ استكيني سكينةً
وإن كان ما أرجوهُ بعضَ التدلُّلِ
فإن الذي بيني وبين حبيبتي
-وإن طال نأيٌ -مثلُ نبضٍ مجلجلِ
وإني وإياها على كل حالةٍ
أيا قلبُ أقصرْ في المنى وتحمَّلِ
فكم عاذلٍ فيها وروحي ترُدُّهُ
وكم خابَ واشٍ في حديثٍ مُعَجّلِ
يميناً على عهدِ المودةِ بيننا
فلا الموتُ يَثنيني ولا أنا بالخليّ
---------
د٠جاسم الطائي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق