الجمعة، 3 سبتمبر 2021

(امرأة معلقة) كتابة: هبة فرج محمد

 قصة قصيرة بعنوان 

(امرأة معلقة)

كتابة: هبة فرج محمد


"سامية طه" الصحفية المشهورة التي تعمل لدى جريدة عريقة لها تاريخ في سماء النشر الورقي، وبعد قدوم التكنولوجيا الحديثة والسوشيال ميديا أصبحت أيضًا من أفضل الجرائد الإلكترونية، لقد اعتادت سامية أن تحتسي فنجانا من القهوة في مكتبها بالجريدة، قبل فتح بريد قرائها الذين يرسلون لها مشاكلهم ويسألونها المشورة وبالفعل هي دائما تساعدهم بالرد الإيجابي عبر عمودها الأسبوعي بالجريدة بعد طرح رسائلهم كما جاءت منهم مصحوبة بأساميهم المستعارة أو التي يختزلونها أحيانا  إلى حرفين قاصدين إخفاء هويتهم، إلى أن فوجئت بالسيدة (علا السيد)؛ صاحبة الرسالة التي بين يديها في تلك اللحظة المفاجئة وهي تؤكد عليها بين طيات أول الأسطر بأن تكتب اسمها دون اختزال. 

اشتد انتباهها كثيرا وزاد فضولها في أن تعثر بين طيات الرسالة على إجابة توضح لها إصرار علا ذكر اسمها على الملأ دون خجل أو خوف  من ردود الأفعال، وبالفعل رجعت بعد الدهشة تقرأ في إصرار وانتباه شديدين لمحتوى الرسالة من جديد؛ 


بعد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، 


أستاذتي / سامية طه


أنا (علا السيد)، حاصلة على ليسانس آداب قسم ( لغة عربية )، وحاليا امتهن وظيفة مدرسة بإحدى المدارس الخاصة بعد ما حدث معي ما سوف أسرده الآن لحضرتك، ولكن - رجاء- كتابة اسمي دون اختزال.

بداية ثقة في حضرتك، وفي عدد قرائك الغفير هو ما جعلني  أكتب وأراسلك بعين التوعية، لعل كل رب أسرة يتقن السؤال عمّن يتقدم لخطبة ابنته، راجية منها التريّث في تحديد موعد الزواج،   لعل خبايا الخطيب تظهر جليّة للجميع أثناء فترة الخطوبة، قبل وقوع بلاء لا يقدّر إلا بضياع وكسر القلوب والنفوس؛ فكم من زواج متعجل أعقبته صرخة أنثى انخدعت؟ 

وصرختي ليست بمضاهاة لها. 

وبما أن خفقان القلوب يختلف عن غيره، فنبضات قلبي اعتادت على الارتفاع دون هبوط إلا بتناول العقاقير لضبطها مما تسبب في تسميتي مريضة "ضغط عالِ مزمن" وأنا لا زلت في ريعان شبابي؛ يحضر السؤال هنا من المتسبب في ذلك فلابد أن هناك أسباب لتداعيات هذا المرض ؟! 

ذاك الذي يدعى زوجي ومن المفترض أن يكون خير الرجال، بعد أن ظل زمنا يحبو كالرضيع على باب أهلي ليظفر   بي زوجة له ويكون لي السند وخير الجوار، لم تطل أحابيل أكاذيبه  كثيرا حتّى تقطعت وانكشف معها كل خداعه وزيفه. 

فلو أنّ العقل يدرك بواطن القلوب والنفوس، لكنت بقيت  في بيت أهلي معزّزة مكرّمة تحت سقف أبي حيث الصدق والأمان. 

ألا أن ضحكتي ماتت! 

نعم، ماتت بعد أن أصبحت زوجة بين أحضان مدعي رجولة، نجح في إتقان  دور الورع وصاحب الأصول وحسن الخلق حتى أقنع جميع أهلي،ولكن  ذاك يا أسفاه! لم يكن سوى وهمٌ في وهمٍ!

لا يعلمون أنه ممثل  بارعُ ، يتقن تأدية دوره لعدد ساعات ظهوره بينهم ، أما عن وجهه الآخر الذي وضح أمامي وضوح الشمس في لحظة وهجها لا يراه غير أعيني التي باتت تبكي على وسادتي ليلاً نهار ؛ أنا أتذكر أول مرة كاد فيها قلبي أن يخلع من شدة نبضه، نعم أتذكر تلك اللحظة جيدا، وقتها كنت نائمة في فراش الزوجية بعد لحظات رومانسية جمعتنا، استيقظت بعدها لأجد نفسي بالفراش بمفردي. 

لم أقصد بتاتاً التنصت عليه بل صوته الخافت وتعمده في التخفي بعيدا عني قدر المستطاع هو ما أثار دهشتي وصكّ أذنيّ، فلقد كان مختبئا بغرفة إعداد الطعام التي تبعد عن غرفة نومنا بثلاث غرف؛ لقد سمعته يهمس همسات عاشق لمحبوبته ، سمعته وأدركت خيانته رغم طاعتي له، رأيته وهو يدنس عهده الذي عاهده مع الله وقت عقد قراننا، ومع والدي عندما قال له لا تقلق ستظل امانتك فوق الرأس وداخل القلب لآخر العمر، يا له من كاذب مخادع، بل يصح عليه قول فاجر ، فهل يجوز له خيانتي ؟! 

أسألكم  قول الحق..! هل يجوز له خيانة زوجته التي لم تتعدَ عقدها الثلاثين ؟!  والتى تحظى بجمال يفوق الكثيرات من جنسها ؟! وذات تعليم عال لا يقل  درجة عن مستوى  تعليمه، وأخلاق بشهد بها الجميع؟ 

ليت الزمان يعود لغلقت كل الأبواب في وجهه! 

لا بل لبصقت عليه ألف مرة قبل أن يفكر في الطرق على باب أبي ولكن الزمان لا يعود والأقدار نافذة لا مفر منها. 

لذلك ليس في يدي غير سرد ما حدث بيني وبينه بعد معرفتي لخيانته، أنا لم أصرخ وقتها كمثل الأخريات من النساء في تلك اللحظة، بل تظاهرت أمامه بعدم معرفتي لأي شيء وأخذت أتودد له و أتغزل فيه بزيادة عما كنت أفعل من قبل تأملًا في أن يتغير، واهمة نفسي بأنها كانت نزوة ووقع فيها مثل الكثير من جنسه، صبرت، لكنه فعل ما يجعلني أصعق دون لمس الكهرباء ، لقد أتى بمعشوقته إلي عش الزوجية ذات ليلة كنت نائمة فيها في بيت أهلي لعلّة أصابت والدي فاضطررت للمكوث هناك ليلة واحدة، لكنّه ما فوّت الفرصة على نفسه، أتى بها دون أي اعتبار بيننا واكتشفت  خيانته، بعد عودتي  للبيت يا سادة، وكيف لأنثى ألاّ تتحسس حضور أنثى أخرى في بيتها وكلّ الدلائل تقف شاهدة على ذلك، عبيرها الذي كان يعبق بين أركان حجرتي، قميص نومي التي تعمدت تلك الساقطة تركه على سريري دون انتباه ذلك الفاجر له، كل هذا كان دليلا قاطعا على خيانته. 

لم يعنّ على ذهني ساعتها، وأنا في قمّة فوراني، غير الثأر لكرامتي؛ صرت أصرخ فيه كالمجنونة وأتلفظ بأفظع السباب التي تناسبه، أخذت ألكمه العديد من اللكمات في جسده دون وعيٍ إلي أن قام بردعي بكل وقاحة، أمسك يديّ وثبّت جسدي في موضع وقوفي حتى أهدأ وأمسك عن لكمه، وبالفعل نجح لكنه لم ينجح في خرس لساني الذي أطلق لفظ "طلقني" بكل حدة وأيضًا لم يستطع إيقاف  اشمئزازي ونفوري منه ، وهنا ظهرت وقاحته في تركه البيت دون أن ينبس فمه بكلمة، غير ضحكة خبيثة لم افهم معناها إلا بعد تيقني بأنه هجرني معلقة، فغيابه عن البيت قد مر عليه عام  ولا أعلم عنه  شيء ، حتى أهله أجمعوا بأنهم لم يعرفوا عنه غير أنه سافر خارج البلاد ولكن إلي أي دولة ؟!  لا أعلم ولا يعلمون! 

ولأنه كان  يمتهن الأعمال الحرّة وغير مؤمّن عليه، فقد عجزت عن  تحديد مكانه وصرت  زوجة معلقة إلى أن يحقق القضاء عدالته بتطليقي منه للضرر. 

وسؤالي الآن  كم من زوجة معلقة ؟! وما كان ذنبها عندما توسمت الخير في من تقدم للزواج منها  ..؟! وما ذنبها فيما بعد ليلتصق لقب مطلقة بها رغم أنفها ؟! 

فقد كانت تأمل بأن تكون ملكة متوجة داخل قصر مالك قلبها وجسدها وروحها ، فلقد سلمت نفسها له دون أدنى اعتبارات غير أنها تأمل في الحب الصادق  وبناء أسرة كاملة متكاملة من أم وأب وأولاد. 

لعله خير إذن أنه تنصل مني قبل أن أصبح مطلقة وأعول، فما أصعب تلك القضية أيضًا ..! و ما أكثرها في أرض محاكم الأسرة …! 

فالحمد لله الذي عافاني وقدر لي قدرا أخف من أقدار أخرى ربما أودت بحياتي لعدم قدرتي على الاستطاعة، فعسى أن يكون قدري خير لي، وأخيراً لا أقول غير فوضت أمري إلي الله السميع العليم...

وسلام الله ورحمته وبركاته عليكم.


الاشمئزاز أصبح واضح على ملامح سامية والدموع صارت تبرق في مقلتيها ورغم عنها سالت على وجنتيها ... أخذت شهيق عميق ثم زفرته وبعدها  راحت تمسح دموعها و الحزن يتملك روحها وكأنها  على صلة وطيدة بعلا لتأثرها  هكذا بقصتها، مرت ربع ساعة وسامية تتطلع إلي رسالة علا  في صمت تام ثم بعدها أخذت تلملم روحها وأمسكت بقلمها وبدأت في كتابة الرد على علا ثم قامت بتحضير  تلك الرسالة التي اعتبرها كلاهما  قضية رأي عام  حتى تقوم بعرضها  على  مديرها المسؤول .


بعد السلام والتحية،


بداية أقول لكِ لقد أثرت دهشتي بطلبك كتابة اسمك دون اختزاله ولكن بالفعل بعد اكتمال الرؤية، توجب عليّ رفع القبعة لكِ ، أنت، بالفعل طرحتِ قضية رأي عام كان لابد من طرحها بكل وضوح ودون خجل كما أكدتِ ، ولعل الفاجر كما وصفتيه يظهر ، أو ربما تأتيكِ المعاونة ممن يهمهم الأمر!

وكما بدأتِ رسالتك لعلها  تغير من الأساليب التي يتبعها كل رب أسرة عندما يسعد بقدوم عريس شاب لخطبة ابنته ثم يسرع في طقوس الزواج دون تقصي المعلومات عنه بكل حيطة وحذر وعن أسرته المربية له فهي المكون الرئيسي لشخصه ، فكلنا نعلم أن السلوك التربوي للإنسان يبدأ من الأم والاب وبعدها يأتي اختلاطه مع المجتمع الخارجي، فالأسرة دائما عنوان للسلوك الفردي ، و أخيرا أتمنى أن تكون رسالتك بالفعل درس لكل أب قبل كل فتاة وأمل لكِ حياة سعيدة بعد كلمة القضاء آملة في أن تحظي بمجتمع يفهم أن طلاقك بالفعل ليس وسمة عار بل قضاء من الله وشرع وحلال  قضى به سبحانه وتعالى إذا كانت الحياة محالة بين الزوجين فلا رادّ لقضاء الله ما دام حلالا دمتِ سيدتي، قارئة وفيّة لعمودي الأسبوعي وأتمنى حقيقًة أن تراسليني مرة أخرى عندما تتحررين من ذلك الفاجر .


أنهت سامية طه كتابة تعقيبها عن رسالة علا، ثم وضعت قلمها على مكتبها وقامت ذاهبة بكل حماس إلي حجرة المدير المسؤول  ليضع إمضاء الموافقة على النشر.

              

                                  تمت بحمد الله،،،


أتمنى أن تنال إعجابكم اللهم أمين،،،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بين الجدرلن بقلم عمر طه اسماعيل

 بين الجدار وذا الجدار حكاية  وحكاية وخواطر ورواية وتدور من حولي الحروف فأنتقي  بعض التي تجتاح قلبي جمرة وتحط في سطري القوافي كلما  زار الحن...