الجمعة، 4 ديسمبر 2020

كاتب القصة ومؤلفها: عبده داود

 مدرسة المطر

الحلقة 6

كان خروج عائلة البراون من حفل العشاء من دار أهل جيمس هو بمثابة اعلان حرب بين العائلتين...

كانت لينا تبكي طيلة الوقت على فقدان حبيب رسمت خارطة طريق حياة مشتركة لها وله، بينما هوكان يحمل أوراق عقد تافهة وكان يمثل الحب عليها من أجل توقيع عقد تمديد عملها في مدرسة والده...لا حباً فيها لأنها معلمة ممتازة، لكن خوفا من انسحاب طلاب مدرستهم الجبل إلى مدرستها...

كانت تبكي وتقول: الذين يفضلون المال على الحب، هم أسوأ الناس. الحب هو الحقيقة الخالدة، الحب هو نقاء الفكر والقلب، هو الشروق الخالد، هو نور الشمس في سطوعها وروعتها... الحب هو الدافع المحرك والداعم لكل ما هو جميل في حياتنا... بينما المال هو سلطان النفايات، وسيد أرخص المشاعر...الذين يعبدون المال هم الذين فقدوا المشاعر الإنسانية، هم باعوا حياتهم للعدم، ربنا خلق المال حتى نعيش، ولم يخلق المال حتى نركض وراء خلفه ونعبده المال قاتل للروح، قاتل للإنسان. قاتل لكل ما هو جميل في حياتنا...وحتى هو سبب أغلب الحروب في العالم المادي الشجع هو مصيبة العالم وقاتل الحياة... 

وجميس جعل مني وسيلة لجني المال...وزيادة ثروة أبيه... يا لحماقتي.

لينا كانت تبكي لأنها لم تكتشف هذه اللعبة القذرة الذي مارسها هذا الممثل البارع عليها... وكانت تتهم ذاتها بالغبية. لأنها لم تكتشف من هو جيمس الحقيقي...

كانت تقول: أنا لو خيروني في امتلاك أموال العالم وبين جيمس لاخترت جميس على الفور دون أي جدال حقاً...

أما هو كل ما كان يرمي إليه هو توقيع تلك الأوراق التافهة التي تقف وراء تخريب مشروع مدرستي الجديدة...

جميع العائلة  تحمست واستنفرت، أبوها وأمها وقوفاً مع أبنتهم  وقرروا  الإسراع في إيجاد شقة سكنية ينتقلون إليها بغية تحويل قصرهم إلى مدرسة.

باعوا أغلب مفروشات القصر الثمينة بأسعار رخيصة وأبقوا على ما يحتاجونه في البيت الجديد.

كانت أم لينا هي المتحمسة جداً للمشروع تضامناً مع أبنتها بينما كانت سابقاً هي المعارضة الأولى له...

  لكنهم استبدلوا فكرة مدرسة للتلاميذ وقرروا أن يفتتحوا مدرسة رياض للأطفال كما رغبت لينا التي كانت تقول: (أعطوني اطفالاً لأصنع منهم عظماء). هؤلاء الأطفال سيبقون معنا في مدرستنا التي ستكبر ونحن سنكبر بهم ومعهم...

لينا اختارت معلمات من رفيقاتها ومن ذات الجامعة التي تخرجت منها، معلمات يرعون التلامذة لكن تحت اشراف والدتها، ريثما يجدون مخرجاً لفك ذاك العقد   الصعب الذي قيدوا فيه لينا وكبلوها به. 

  استشار والدها محاميا بارعا حتى يطعنون في العقد، 

قال المحامي: هذا العقد ملزم، كتبه محامون محترفون بارعون، لا مجال للنقد فيه. وعليها التنفيذ أو السجن.

لم تكن مشكلة لينا هي السنة المدرسية موضوع العقد، لكن مشكلتها الجارحة، كيف ستكون هي وجيمس في ذات المدرسة وكيف ستقابله...وكيف ستتعامل مع من كان حبيبها، وصار الآن عدوها...

  أسئلة كثيرة كانت تدور في ذهنها ولم تكن تجد لها جواباً سوى البكاء.

ورشات عديدة كانت تعمل في تحويل القصر الى مدرسة،

مهندسون ديكور يخططون، غيروا معالم  قاعات القصر الكبيرة، واحدة جعلوها مطعم للتلاميذ لتناول وجبة الغذاء في المدرسة، وقاعة جعلوها مسرح وسينما، وقاعة حولوها إلى غرفة مطالعة، وقاعات رياضة أنشأوها خارج  مبنى القصر في الحديقة الواسعة وفي قبو القصر لمختلف النشاطات الأخرى... وتم رسم اللوحات الطفولية على كافة الجدران  ومدوا أرض القصر كاملاً بالموكيت السميك...

المشكلة كانت في المقاعد المدرسية، لينا لا تريد مقاعد عادية، كانت تطلب من ورشات النجارة والحدادة كراسي على شكل العاب، وسيارات وأحصنة واشكال  لعب يعرفها ويحبها التلاميذ شاهدوها  في التلفاز...

كانت تقول أريد رياض للأطفال لا سجن لهم...

تكلفت العائلة مبالغاً هائلة من أجل تجهيز مدرسة المطر، ناهيك عن مصاريف الدعاية والإعلان في التلفزيون والصحف والمجلات تعلن عن افتتاح مدرسة نموذجية.

عدد التلاميذ الذين تسجلوا في مدرسة المطر فاق  كل التصورات. بصراحة أعادت العائلة أغلب المبالغ التي صرفتها على تحويل القصر السكني إلى مدرسة نموذجية، فقط من إيرادات السنة الأولى، رغم إنهم كانوا يساعدون بعض الفقراء ومنهم هنود غاندي هذا الإيراد الضخم جعلهم  يدركون لماذا كل تلك المغريات التي قدموها إلى لينا حتى لا تفتتح مدرسة قد تسحب طلاب مدرستهم اليها. 

بدأ العام الدراسي وجاء الكادر التعليمي من المعلمات  اللواتي اختارتهن لينا، وكانت سياسة المدرسة الأولية عدم معاقبة أي تلميذ مهما كان ذنبه، لكن يجب معرفة أسباب تصرفاته الشاذة. قالت لينا خلال الشهرين القادمين لا تعليم في مدرسة المطر. المطلوب منكن هو أن تتعرفوا على التلاميذ وتصادقوهم وتحبونهم حقيقة، وأيضاً التعرف على أهاليهم المعرفة الجادة ولا بأس بزيارة أهل التلاميذ وإشعار التلاميذ بصداقة الأهل مع معلمتهم اتصلوا بالأهالي وتعرفوا عليهم.

لينا كانت تقول للمعلمات  دعوا التلاميذ يلعبون، كأنهم في حديقة، وليسوا في مدرسة، قصوا على الأولاد قصص وحكايات، دعوهم يفهموا لماذا يدرسون، وماذا يدرسون، وعندما يفهمون لن ينسون المعلومات التي فهموها.

الجو الداخلي في المدرسة  يبدو غريباً جداً،  بعض التلاميذ يتمددون على الموكيت، وبعضهم يجلسون في الشرفات، وبعضهم يلعبون العابهم المختلفة 

محبة التلاميذ،  وحريتهم الكاملة، وصداقتهم مع المعلمات، ودروس مستمرة مدى النهار وبشكل غير مباشر، منهاج مكثف مرتكز على القصص والحكايات والرسم ووسائل الإيضاح هذه هي الوسائل المستخدمة في الروضة.

بعض الناس يتساءلون لماذا هذه التسمية الغريبة،

"مدرسة المطر" كان الجواب لأن لندن هي مدينة المطر، والمطر خير يتساقط على الجميع

ومدرستنا دار خير للجميع...

كل الأمور كانت سارت بالشكل المرسوم، إلا ذهاب لينا إلى مدرسة الجبل كان مشكلة المشاكل وأصعبها...

  لكن الذي حدث وفاجأ الجميع، وقلب الموازين سوف أخبركم عنه في الحلقة القادمة

كاتب القصة ومؤلفها: عبده داود

إلى اللقاء بالحلقة 7

الحلقات السابقة تجدونها في مجموعة " رواياتي"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

طفلة الشوق

 ( طفلة الشوق )) ومن النساء أنت  طفلة تخطفني إلى عالمها تتقلب ما بين صدري وقلبي ترسم بيديها قبلة فوق جسدي ونار الحب تحرقني تغازلني تعانقني  ...