الأربعاء، 30 ديسمبر 2020

كلمات بقلم نوارة رزوڨ

 قصة قصيرة.       


       //... (أم الشهيد)... //


بقلمي ✍️.              نوارة رزوڨ 


-مبروك يا كبدي

من شدة الفرح؛ أخذت لالة حدة ترقص فرحا وتغني وتدور  حول ثوبها الطويل الذي يسابقها رقصا؛يرتفع وينخفض.. والبنات يضحكن لمنظرها وقهقهتها وترديدها بعض الأغاني الشاوية.. هي لم تنتبه لهن ولتغامزهن عليها

-عندك حق.. لالة؛.. فأخي السبتي يستحق هذا؛ وجميلة كذلك

-وهل يوجد في الدوار من هو اوسم من السبتي.. سأقيم له عرسا لم يشهد الدوار مثله..

كان السبتي شابا خجولا يافعا قوي البنية ذو بشرة بيضاء؛ عينان زرقاوان وشعر سنبلي..

وكان يحفظ كتاب الله.. ولسانه عربي فصيح؛ كان له من الثقافة ما يجعلنا نظن انه من بلد الأساطير فقد كان حلم كل فتاة في ذلك الدوار... وكل هذا لم يمنعه ليقف أمام العكري فرنسا فقد كان عضوا بارزا في جبهة التحرير... 

جندت لالة حدة في هذه الأيام كل نساء العائلة فالعرس قرب تتذكر إبنها عندما أخبرها بموعد العرس فيبتسم ثغرها من الفرحة لتسرح قليلا ثم تعود لتغرق في التحضيرات اللازمة من الطعام.. وترتيب البيت ليتسع لمحافل المدعوين

وقد كانت لالة حدة كثيرة الصمت يغلب عليها طابع الخجل؛ لكن فرحة السبتي عصرت شقاوتها لتظهر بوجه الفتاة المرحةالكثيرة الحركة من مكان لآخر كأنها فراشة لا ترى إلا الربيع.... 

ومازالت جدران الحوش منتعشة بالضحكات المتفاوتة والغناء الشجي.. وبعد لحظات يدخل احد فتية الدوار مهرولا

-لالة حدة.. لالة حدة.. اسرعن في الإختباء.. إنه العسكر

وماهي إلا دقائق حتى توقف رتلا أمام البيت محملا بعشرات من العساكر مدججين بالأسلحة..

-أين السبتي؟

-لالة حدة:لا أعلم... لم أره..

-اصعدي.. هيا..

-إلى أين؟.. أنا لا أذهب إلى أي....

وماكادت تكمل جملتها حتى حملوها غصبا إلى إحدى العربات وغادروا....

وماهي إلا لحظات حتى توقفوا.. ليس ببعيد عن البيت عند الطاحونة المهجورة..أنزلوها بوحشية

-... تعالي...أسرعي هيا..

لالة حدة تحاول أن توازي مشيتهم وهي مقيدة بقبضة أحدهم.. تهرول وتنظر وراءها ربما تجد من تستنجد به؛؛ متعثرة في ثوبها الذي كان يرافقها في الرقص قبل قليل...

-توقفي... انظري هنا في هذه الحفرة.. هل هذا إبنك؟

-لا.. ليس إبني..

-دققي جيدا..

لالة حدة لم تستطع أن تتقبل هذه الفاجعة

السبتي استشهد يالالة حدة... نعم استشهد وهو عريس

أطالت النظر إليه.. في ثيابه الممزقة في وجهه الملائكي.. الذي غطته خيوطا من الدماء.. وثغره المبتسم؛ يبدو كأنه مرتاح؛ لابد أنه كبدهم الخسائر

-إنه إبني... إنه بطل..

خيم الصمت على المكان.. وعندها أطلقت وابلا من الزغاريد؛ فشلت حركة العساكر وكأنهم أُجبروا على سماع تلك الزغاريد التي تطلقها حنجرة لطالما كانت خجولة...وبعد دقائق ركبوا العربات وأسرعوا بالمغادرة... الزغاريد نزلت عليهم  كلعنة أصابت آذانهم وأرغمتهم على الرحيل آخذين جثة الشهيد معهم فخوفهم أن يعود للحياة أكبر من خوفهم من تلك الزغاريد...

عادت لالة حدة ولم تتوقف عن زغاريدها وسط اهل الدوار الذين يخيم على حالتهم مزيجا من الحزن والبؤس والشقاء

يالحال هذه المسكينة.. أي صبر هذا الذي جعلهاتحمل فاجعة كل الوطن على أكتاف ضعيفة وزغاريدها لم تتوقف...!

هكذا كان حال نساءنا إبان الإستعمار الفرنسي.. يستقبلون أبطالهن بالزغاريد..  فلالة حدة لم تكن تعرف انها ستزف إبنها من غير عروس.. ستزفه شهيدا..


بقلمي ✍️.                نوارة رزوڨ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خسرت نفسك

 خسرت نفسك متى خسرت نفسك ضيعت يومك وأمسك محوت ذكراك وإسمك لِتباع في أبخس صفقة متى سرت بهذا المضمار أين جرفك وأخذك التيار ألقيت الطهر في سعير...