الجبل البعيد
الحلقة 9
طلبت نينا من الطبيب إجراء عملية قيصرية لها، قالت له: لقد اشتقت إلى أبنتي (سوريا) ولم أعد قادرة على الانتظار. رفض الطبيب هذا الطلب وقال لا بد لك من الوجع. ذاك أفضل إلى سوريا من فتح الرحم وازعاج الطفلة، هذا غير مستحب، سنحاول أن ندع سورية تناضل، حتى تنال حريتها بذاتها، وتخرج إلى العالم قوية قادرة على بناء نفسها بنفسها...
كان الجميع منهمكون بشراء لوازم وألبسة إلى المولودة التي ستكون هي الحلم المستقبلي لأهلها وللعائلة.
كمال كان يداوم في الجامعة باذلاُ مجهوداً غير قليل حتى يستوعب التراكيب اللغوية الصعبة ومن ثم يفهم الدروس، وعندما يفهم الدروس تماما، تتركز في ذهنه المعلومات ولا ينساها أبداً لأنها تصبح من مكتسباته الثقافية. كان حريصاً على كل كلمة في المنهاج وكثيرا ما كان عمه ونينا يساعدانه...
أقترب عيد الميلاد، ومدينة كوبنهاجن امتلأت شوارعها بالأنوار المتراقصة المبهجة بألوانها
الجميلة، وأشجارها المزينة. ورغم الثلوج التي كانت تغطي المدينة لم يكترث الأهالي بالبرد وهم يمرحون بالشوارع ويتقاذفون بكرات الثلج فيما بينهم، افراحهم كانت تنسيهم صقيع الجو...
اشترى كمال ونينا غصن شجرة صنوبر طبيعية كبير حتى يزيناه ربما وسيبهج سوريا الضيفة الوافدة...
دعا أبو نينا أخوه وعائلته، ودعت أم نينا أختيها وعائلتيهما إلى سهرة عيد الميلاد باعتبار بيت أبو نينا واسعاً ويتسع للجميع...
لا شك جمعة الأهل تبهج القلب، وسبب كبير لسعادة الانسان...الجميع كانوا بغاية السعادة عدا كمال الذي كانت الدمعة في عينيه، لأنه كان يدرك كم ستكون أمه تعيسة هذا العيد، لأن كمال بعيد عنهم، وهو الذي لم يتركهم أي عيد مضى، وبالفعل أبو كمال وأمه رفضا أن يلبيا دعوة الأصدقاء، وفضلا البقاء في المنزل مع الدموع التي اغرورقت في عيونهما وبصمت حزين، لكن مكالمة من ابنهما بالدانمارك افرحتهما، حينها استطاع أبو كمال، أن يحتسي بعض النبيذ الذي يصنعه من عنب كرمه في بلدته النبك القلمونية. ويأكل من حبات الكستناء المشوية على مدفأة الحطب التي يجلس هو وزوجته بجانبها ملتمسين بعض الدفء في أبرد منطقة في سورية...
الزيارة التي خففت من ألمهم في تلك الليلة حضور كاهن الرعية لزيارتهم ومعايدتهم والاستعلام عن أخبار كمال في الغربة.
اتصل الكاهن بكمال وقال له أنا عند أهلك لأعايدهم وأطمئن عليهم وعنك.
قال كمال لو لم تكن زوجتي على أبواب ولادة كنت سأحضر إلى سورية، وأعيد معكم في هذه الأعياد المباركة، ربما العيد القادم سأحضر أنا وزوجتي وأبنتنا إلى سورية ونعيد جميعنا سوية.
كانت السهرة في بيت أبو نينا وصلاة عيد الميلاد لاستقبال الرب يسوع ممتعة في دار أهل نينا وقرر الجميع إعادة السهرة بعد أسبوع لتوديع السنة الحالية واستقبال السنة الجديدة، عساها تكون سنة جميلة كهذه السنة الجارية...
وافق الجميع على السهرة في بيت أبو نينا بشرط ألا تقوم أم نينا بأي مجهود، الجميع كل منهم سيحضر طبق طعام في منزله، ويجتمعون في سهرة استقبال السنة الجديدة...
بالفعل ليلة نهاية العام، امتلأت الطاولة الكبيرة بالمأكولات الشهية والمشروبات المختلفة وكان الجميع في غاية البهجة...
فجأة صاحت نينا بأنه حان موعد ولادتها وعليها الذهاب فوراً إلى المستشفى، ترك الجميع المنزل وركبوا سياراتهم وذهب رتل من السيارات خلف سيارة نينا...
جاء الطبيب مسرعاً وعاين وقال فعلاً حالة ولادة... أمضى الجميع الليل في المستشفى... وأخيراً وصلت سوريا...
طفلة قالوا عنها ملاك بجمالها وروعتها...
سوريا الجديدة رأت النور، بعد الظلمة التي كانت فيها...
سورية ستكون عظمة في الجمال الذي ربنا يباركه.
وستكون رمزاً للحب الخالد.
دارت الأفراح في النبك، استقبالات وتهاني وقهوة الفرح المرة، والناس يباركون ويهنئون للجدين بولادة سوريا. وحتى سعاد وعريسها جاءوا مهنئين ومباركين.
كاتب القصة: عبده داود
إلى اللقاء في الحلقة 10
أرجو من الذين يرغبون مراجعة الحلقات السابقة تجدونها في مجموعة "رواياتي"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق