الأربعاء، 24 نوفمبر 2021

 راقصة الفلامينكو 

الجزء السادس


كانت ديانا تتحرق للعودة إلى فرقتها في فرنسا، وهي مشوشة كيف ستجد مسعود في اسبانيا...

ماريا كانت سعيدة مع مالك وشعلة حب بينهما  فضحتها النظرات واللمسات الناعمة.

مالك كان يقول من الأفضل لكما البقاء حتى تصلني رسالة من مسعد ونعرف أين هو. 

ماريا طبعاً كانت مؤيدة إلى رأي مالك ومتمنية البقاء... لكن ديانا قالت: سأتصل بك يوميا من فرنسا أو أي مكان آخر لتخبرني أخبار مسعد. أنا لا أعرف أين سأكون.    

قال مسعد فيما بعد: ودعت مالك صديقي في مطار دمشق الدولي وسافرت، كنت ملتهب العواطف، أبغي الوصول إلى سلمنكا بأسرع الوسائل الممكنة، حتى ألاقي حبيبة القلب التي عشقتها بكامل أحاسيسي وقلبي وفكري حتى الثمالة،بل حتى النخاع، وكأنه لم يعد يوجد أنثى في الدنيا غيرها... 

نزلت من القطار في سلمنكا أحمل معي هدايا من دمشق، الحرائر، والبروكار السوري، والخزفيات، والنحاسيات، وحلويات دمشق العربية الفاخرة المصنعة بالسمن العربي الأصيل، بكميات كبيرة هدايا إلى ديانا وإلى فرقتها...كلفتني زيادة الوزن بالطائرة أكثر من ثمن البطاقة ذاتها...

ركبت أول سيارة أجرة صادفتها وطلبت منه توصيلي إلى معهد الفلامينكو...

قال السائق أتقصد معهد ديانا؟

قلت: نعم، وهل تعرفها؟ 

قال السائق: وهل هناك من لا يعرف راقصة الفلامنكو الشهيرة؟

قال الحارس في مكتب ديانا، هي اتصلت من اسبوعين من فرنسا وأعطتني رقم هاتفها في باريس ها هو...

قالوا لي الفرنسيون: فرقتها لا تزال عندنا، لكن هي نظن عادت إلى بيتها لأنها حامل...وممنوعة من الرقص...

طار صواب مسعد، وكاد يسقط على الأرض، وقال إذن هي كانت متزوجة، ولذلك لم تترك لي عنوانها، وهربت تحت جنح الظلام...

أعطيت الهدايا إلى الحارس، وقلت له هذه من حظك، 

لم تعد تلزمني...

عدت إلى مدريد، كانت دموعي في القطار لا تتوقف، وكنت أدخن بلا وعي أشعل السيجارة الجديدة، والسابقة لا تزال مشتعلة...

شعرت بأن أحلامي انهارت، لقد جاء الفيضان وجرف كل ما كان إلى العدم... 

في مدريد، سكنت في فندق صغير، تملكه سيدة كبيرة بالعمر، قالت لي ما هذا الاسم مسعد، هذا صعب علينا، ما رأيك اسميك خوان، اسم اسباني سهل النطق علينا وعلى العرب... ومن تلك اللحظة صار اسمي خوان...

كنت اتردد على المكاتب العقارية حتى اشترى دار سكن كما كنت مقرراً...

إحدى المرات، صادفت رجلا بدا لي رجلاً نبيلا في مكتب عقاري، أعجبني منطق الرجل وأردت مصادقته. دعيته لاحتساء فنجان قهوة في مكان قريب...تحادثنا كثيرا، 

بعدها صرنا نلتقي ونتنزه سوية في شوارع مدريد، ونحتسى القهوة وغيرها في المقاهي التي تصادفنا...

ذلك اليوم سألني، ماذا كنت أعمل في سورية قبل قدومي إلى مدريد؟

قلت في مديرية للطيران المدني، سألني وهل تعرف كيف تقطع تذاكر السفر بالطائرات.

قلت نعم. هذا من صلب عملي.

قال: أنت تملك مهنة عظيمة، لماذا لا تبحث عن عمل في هذا المجال؟

قلت: لم أفكر بالأمر بعد، ولا أرغب العمل الوظيفي.

قال: تعال معي، ذهبنا إلى مكتب ضخم في شارع مشهور في مدريد ودخلنا إلى مكتب المدير مباشرة.

قال الرجل: هذا خوان من سورية، وأظن إنه الانسان الذي تبحث عنه...

تبادلنا أحاديث مختلفة عن سورية والرئيس حافظ الأسد وعن محاولاته في تطوير سورية إلى الأفضل...وعن محاربته الفساد بكل قوته، وقال الرجل: الاسد هو أسد قوي تمكن من مسك كل الخيوط حتى سارت سورية فعلاً في طريق الحداثة والتقدم. ولولا ذاك الرجل القوي كان الفاسدون نهبوا سورية، بحجة أنهم يحرسون الكرسي الرئاسي.

سألني الرجل أسئلة مختلفة في مجال الطيران وقطع تذاكر الركاب، أسئلة بالنسبة لي بسيطة من صلب عملي في سورية.

قال الرجل: أنا أنوي فتح مكتب قطع تذاكر في شارع أنطونيو، وهذا شارع  مشهور في مدريد، وأريد موظفاً مسؤولا عن إدارة هذا المكتب، ما رأيك؟

الفكرة عجبتني، لكن أنا استقلت من الوظيفة لا لأجد وظيفة أخرى تسرق عمري، وتقضى على طموحي... قلت سأفكر بالأمر....

هاتفني صديقي روفائيل، وقال لي، أين أنت يا خوان،

أنت أعجبت وليام وهو يريدك أن تستلم إدارة مكتبه في شارع أنطونيو...

قلت لصديقي روفائيل، أنا بالفعل أشكرك، لكن بصراحة أنا لا أحب الوظيفة، أشعر بأنها ستسرق عمري، وتنهي أحلامي، أنا أريد أن اصنع أحلامي بنفسي، وأكون أنا سيد مكتبي لا موظفاً فيه... 

أرجوك أن تسامحني، بكل الأحوال لن أنسى لك هذا المعروف الكبير الذي فعلته لي...

بعد أسبوع هاتفني روفائيل وقال لي هناك أخبار ستسعدك.

وليام عرف مقدرتك، وعرف معدنك، وقال لا مانع إن رغبت أن تدخل شريكا معه، وبدل أن تدفع انترادا لدار سكن يمكن أن تكون شريكا في المكتب، ومن الأرباح سوف تسدد ما عليك لتكون شريكا حقيقياً في الربع أو الثلث أنت وقدرتك على العمل. حتى تصبح شريك النصف.

تم الاتفاق بيني وبين وليام ودفعت كل ما أملك لأكون شريك الربع، وسوف اسدد له ما أقدر عليه من أرباح المكتب لأصبح لاحقا شريكا الند للند في المكتب. 

في مكتب الادارة توجد كنبة كبيرة جعلتها سريرا لي في الليل، وصار المكتب هو مركز عملي ودار سكني...  

 وافق شريكي على تسمية المكتب الحلم الطائر، أنا 

عنيت، بأن ديانا كانت الحلم وطار... 

تناسيتها، وبدأنا العمل. وكنت جاداً لأكون شريك النصف. 


كاتب الرواية: عبده داود

إلى اللقاء في الحلقة السابعة.

الحلقات السابقة موجودة على جدار صفحتي الشخصية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بين الجدرلن بقلم عمر طه اسماعيل

 بين الجدار وذا الجدار حكاية  وحكاية وخواطر ورواية وتدور من حولي الحروف فأنتقي  بعض التي تجتاح قلبي جمرة وتحط في سطري القوافي كلما  زار الحن...