معا نحو عالم أفضل
للكاتب والمفكر أيمن غنيم
يقول الله تعالى فى كتابه العزيز
"* يؤتى الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا ومايذكر إلا أولوا الألباب "*
سورة البقرة الآية ١٩٧
والمتمحص فى هذه الآية الكريمة يجد أن الله قد خص الحكمة بأناس دون أخرى . وأنها الفضل والخير الجم الوافر.
وقرن التفكر وأصحاب العقول النيرة فى البحث والتقصى وراءها . والوصول إلى جوهرها كى ننال الخير ونجنى ثمارها .
وهنا إبراز لجمال وبهاء الدين وردا على المغرضين والملحدين بأنه دين الغيبيات ودين السيف والرمح.
وأنه انتشر بحد السيف والقتل . وردا على العلمانيين والمرتدين عن دينهم لإمتثالهم للمادية ومبدأ النفعية فى نهجهم وإتباع النسك الغربية فى اتجهاتهم الإشتراكية والشيوعية حتى اصبحت من صميم افكارهم ومبادئهم .
وراحوا يلتحفون بها وتناسوا دينهم كإطار واقى لتعاملاتهم وإسباغ سلوكياتهم به .
ممتعضين عن أدواته الحسنة وخلقه القويم فى منظومة حياتهم التى يعيشونها . فخويت قلوبهم من نزعة الإيمان وإنتزعوا من سلوكهم القيم الروحية والتى هى أصل الدين وفحوى إنتهاجاته .
والحكمة هى كل إفرازات العلوم الإنسانيه وكل منتجات الفكر الفلسفى على مدار العصور . حتى كان يطلق عليها الفلاسفة قديما أنها رأس الحكمة .
والحكمةهى ثمار الفكر التوعوى والدينى المعالج لآلام الأمة .
وهى محصلة الثقافات على مختلف مجتمعاتها ومدنها وعلى اختلاف مللها . لأنها تناشد فى الإنسان روحانياته وقيمه وفضائله والتى تنطلق به نحو الارتقاء فى سلوكه وتدعم العلاقات النبيلة بين البشر بعضهم البعض .
وخلق فكر تجانسى يلملم القواسم بين الناس جميعا.
لكننا فى عصر أسبغ بمادياته علينا روح الفتور والقنوط.
وأوجد فينا إحباط غيم على رؤى أفكارنا وهشم الروحانيات ومعانى الفضائل بيننا .
وأصبح مفاهيم التقييم ومعايير الحكم على الأشياء تعهد المصلحة والنفعية . وإجتاح الفكر التقنى والعلمانى والعلمى المجرد من الروح تفاصيل العلاقات بين البشر ولم تعد وفقط أدوات تقييم للأعمال المنوط بها .
بل إمتدت لتحكم الصلة بين الناس فى المجتمعات الواحدة أو حتى العلاقات بين الدول بعضها البعض .
واحتدم الصراع بين المادة الجوفاء والروحانية التى لا ترتكز على واقع ملموس . وخاصة عند اللادينين أى الذين لا يعتنقون دين . ورويدا رويدا إمتد هذا الصدع إلى مجتمعاتنا المتدينة . وأصبحت هى الأسلوب الأمثل فى التعامل حتى خبوأت وتلاشت الإنسانية بكل فضائلها .
من شجاعة .من كرم. من عطف. من إحسان من وفاء. من إستيعاب هم أمة. وأزمة وطن .
وبدأت حلبة صراع الأفراد وكانت المنافسات غير شريفة . ووضع فى خانة الضعف والخزلان الشرفاء من هذا الجيل وتجرعوا المرار ألوان وألوان . وراحوا يحصدون ضريبة كونهم حكماء أو متمسكين بالحكمة أو معاول الرشاد .
بل ووضعوا فى دائرة الإتهام.
وأصبحت العفة والشرف جرم يعاقب عليه مجتمع بلا قلب وبلا روح . وانتهكوا حرمات القيم وشوهوا الفضائل بالمزج مابينهما فالرشوة والخديعة والمراوغة حلال فى قانون المادة والنفعية والمصلحة.
هكذا تبدلت المعانى وتلونت بألوان الخزى والعار وانفطرت الإنسانية بأوجاع فضائلها وتلاشت روح الايخاء والمحبة والتسامح بين الناس لأنها مفردة غير مقرؤة فى قواميس المادة وسلوك معيوب فى قانون الحاجة والمصلحة .
ورغم النجاحات التى يتشدقون بها هؤلاء الذين اعتنقوا الماركسية واللاهوتية والاشتراكية والنفعية والمحتكمين لفلسفاتهم .
إلا أن هذه المجتمعات لم تزد إلا فرقة وتفكك . ولم تزد إلا ضلال وإنحراف فتك بكل غال وثمين .
وأودعهم فى قوالب الفردية أو القبلية أو الملليلة فى عزلة ووحدة مهما كانت براحها واتساعها . وأوجدت الحقد والضغينة وخلقت التفرقة العنصرية فى العالم أجمع . وشكلت الإرهاب بكل صوره . وأنتجوا خبالا من سعادة ماجنة . وتهتكت انسجة الرحم. وصاروا عزل من محبة وتراحم بينهم لأنهم تخلوا عن الروحانيات واندفعوا وراء المادة بنفوزها وهيمنت مصالحها فتتاثروا وتشتتوا فلا أمان بينهم ولا ألفة ولا رحمة .
لأنها فى معتقاداتهم أصبحت غيبيات وضربا من خيال جامح وأصبحت سلوكيات بالية .
تلك هى الحكمة التى أودعها الله فينا وهى أن نكون مدركين للفضائل فهى منارات الهداية للصلاح والنجاح بين المجتمعات. ذاك هو الخير الذى يعقب تلك المناهج ذات الصبغة الحكيمة والتى ينتهجها الحكماء فى تبنى هموم البشر وإسعاده . وتبنى القيم والفضائل التى تسوى خلافاتهم وتذهب بنواقصهم وتنتج منتج إنسانى يروق له الخير والنماء للعامة ويرسم البسمات على وجوه من يحيطونه ويلملم أواصر من يدعمونه ولا يعكف على نفسه معزولا ولا متحديا ولا باغضا ولا منافسا بقانون المادة .
لانه حتى فى علم الطبيعة لايوجد إخصاب دون تزاوج والخلية لاتتكاثر على نفسها وإنما تحتاج لزميلتها فى وجود معامل يضمن نجاح تلك العمليه . وكذلك حتى بالنسبة للعلاقات الزوجية انه لايمكن للانجاب أن يتم بين زوجين ليس بينهم حب أو حميمية .
هكذا المجتمع لا ينمو فى إطار الكراهية ولا يخلو من الهواجس الإرهابية والمخاوف التى تحيطه. دون فضائل تحمى علاقاته وروحانيات تدعم وحدته . تلك هى الحكمة وتلك هى العطايا التى منحها الله لمن كرمه ولمن خصه بالأداء الراقى الداعم لرخاء البشرية والمتبنى لسلوكياتها ونموها وأيضا تلك الروحانية التى تبطن جدار القلب بالرحمة والعطف وتلك الجهود المبذولة فى دعم عجلة ودفة الحياة بالخير والنماء . ولذلك جعل الله الأجر والثواب الأعظم فى ديننا الحنيف لمن يدعم الفضيلة وروح التعاون وسعى العبد لأخيه المسلم بالخير ووعده بالخير المضاعف وحتى من دل على خير فإنه يأخذ أجر فاعله .
أى دين يضمن جمال وروعات العلاقات بين الناس كهذا الدين الرحب الواسع المدى بالحب والايخاء والتسامح تلك هى روحانيات ديننا والتى يوم تخلينا عنها فقدنا الكثير والكثير وتخبطنا ورحنا نحصد الشر بدلا من الخير . الحقد والكراهية بيننا بدلا من الحب والتسامح . وصرنا مهلهلين ضائعين . جوعى وبطوننا متخمة بأشهى أنواع الطعام .
وخائفين مرعوبين وتحيطنا متاريس الحراسه ونبكى ضاحكين هازين من أنفسنا على أنفسنا .
عودوا إلى الروحانيات تخبو وتتلاشى مخاوفكم وتمسكوا بالحكمة لا تضلوا بعدها أبدا ورأس الحكمة ليست الفلسفة كما كان يقولون . بل إنها شريعة الله المثلى وسنة نبية الحبلى
الحبلى بالقيم. والحبلى بنوازع الخير .والحبلى بالأدوات الفاعلة للمثاليات وتلد فى كل عصر حكيما يتدارك أدوات عصره ويحاكى دين الله بثوبه الفضفاض والذى يستوعب العالم على شتى علومه وإختلاف نظرياته.
وتبقى السنة النبوية هى الأم الولود لحكيم فى كل حقبة زمنية .ليبارز بسيف الحكمة التى منحها الله له.
كل المخاطر التى تحيط الدين بروعاته وأدواته التى لا تخبو على مر العصور .
فلنكن نحن أولى الأقلام التى تسطر أحرفها لخير الأمة والصلاح واللجوء إلى الله والهروب إلى القمة قبلما ان تلطخنا أوهام القاع .
ومع الحكمة يكون الزاد فلا جوع يهدد حياتنا . وزاد الله هو الأكثر شبعا وأكثر حياة فى زمن ماتت فيه القيم .
فروحانياتنا هى التى تدعم حياتنا نحو عالم أفضل .
بقلم. د. أيمن غنيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق