يوميات أناس عاديين
385
***********
يضيف آدم : في المحكمة رفقة أمي ، قبعتْ هواجسٌ كثيرةٌ بداخلي .. هذا المكان غريب علي وعلى أهلي .. أول مرة أرى ما يشبه قاعة الدرس بخمس " أساتذة " : ثلاثة أمامي ، وواحد على اليسار و آخر على اليمين ، كلهم جالسون و لباسهم موحد مع بعض الإختلاف .. أمامهم أناس جالسون على كراسي خشبية طويلة من مختلف الأعمار : على اليمين رجال ، و على اليسار نساء وأطفال ، في الأول ظننتهم تلاميذ كبار ، لكن بعد ذلك عرفت أنهم هنا لغرض آخر .. فئة ثالثة واقفة بلباس أسود موحد يتدلى خلف ظهورهم ذنب كذيل الثعلب ، وعلى صدرهم خرقة بيضاء . الفئة الرابعة هي التي عرفتها بلباسها الرسمي .. فقد سبق لي أن رأيتهم عدة مرات في الشارع العام ، وعند تقاطع الطرق ، إنهم الشرطة .
سألت أمي ما هذا المكان ؟؟ أجابت بهمس خافت : محكمة . أحسست أن الجميع " خائف " و لا أحد يتكلم إلا بالهمس و النظرات .
هواجس تُسائل أرشيف أجسادٍ واقفةٍ في قفص الإتهام وقد نُقشتْ أسرارُها على العظام بمداد الزمن العاتي . تجيب عن أسئلة يطرحها عليها الذي يتوسط الثلاثة الجالسين على أرئك جلدية فوق مصطبة . الإجابات عن الأسئلة " تحطم " أماكن قديمة كانت مسرحا لحدث ما و" تعيد " بناءها الآن بمواد لا يمكن أن تقاوم الريح والشمس و المطر والرعد .
الجوع و الخوف و أشياء أخرى بادية على وجوه من يسمون " متهمين أو جناةً مزعومين " سمعت مصطلحات لم أسمعها قط من قبيل : كفالة ، اعتقال ، استئناف ، متهم ، تهمة ، ظنين ، مدعي ، مدعى عليه ، محامٍ ، دليل ، جلسة استماع ، حجز قضائي ، قاضٍ ، جنحة ، جناية ....وغيرها كثير.
حاسِرَ الرأس تقدم أخي أمام القاضي بعد المناداة عليه بصوت مرتفع ، سأله القاضي عن اسمه واسم أبي و أمي ، كان تائها وشظايا صغيرة من الصوت بالكاد تنقلت من بين شفتيه .. هل يحتاج لصفحات و صفحات ليبرر ما قام به وما تُوبع من أجله ؟؟؟
سمعته يقول : " لستُ سيئا سيدي القاضي ، رغم أن كل الظروف المحيطة بي كافية لأكون مجرما ... " ثم سكت .
في حالته ، لا يحتاج أن يترجم نفسه ليفهمه القاضي . أكيد أن كل الحضور في الجلسة أيضا قد استوعب ما قيل وما تم السكوت عليه .. أما أنا ، فرغم صغر سني فإنني أعلم أننا لا نسقط سَعداء ، بل نسقط تُعساء ، واليوم سقط أخي الذي كان سندا لنا حين سمعتُ أول مرة أنه سرق دراجة نارية .
حاولت أن أقول شيئا ، لكنني فقدت كل الكلماتِ التي كانت في الطريق إلى فمي .. اختفتْ فجأة من دماغي و سيستغرق الأمر طويلا لأعثر عليها من جديد.
بقلم
أسيف أسيف // المغرب //
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق