العراق: الابراهيمه الثانيه او الفناء؟/ ملحق3
عبدالاميرالركابي
لم تنته بعد تداعيات الحدث الانقلابي غير العادي الالي المستمرة من الثورة الالية المصنعية مع القرن السابع عشر والى اليوم، ومع ماقد اوحت به اللحظة الاولى من النهوضية المواكبه الاوربية بخصوص الحدث المذكور، مكانا ونتائج ودلالات مصورة اياها وكانها محطة واحدة ووحيده، تواصلت التداعيات على مستوى الكوكب الارضي، وصولا الى المحطة الراهنه الاخيرة الانتقالية، المتلائمه فعليا مع الحدث الاستثنائي المساوي من حيث اثره ومترتباته للحظة تبلور الظاهرة المجتمعية ابتداء.
وكما هو مفترض، فان تبادلية ارضوية لاارضوية راهنه تعود للحضور حكما، وفي حين تبدا عملية الانتقال الالي في اوربا الطبقية الارضوية الانسايوانيه، فانها لن تستقر فعليا وتظل على العكس تتداعي قدما الى ان تهيء اسباب يقظة الرؤية والحضور مابعد الانسايواني اللاارضوي، الامر البديهي واقعا، بغض النظر عما اذا كان غير حاضر ولا ملحوظ للتعذر الاعقالي المادي التاريخي.
يعني هذا تبديلا، لابل قلبا للسردية الحديثة والحداثية، تلك الاوربية الامريكيه منهما، فهي بالاحرى يدوية انسايوانيه في زمن الاله الاول، عاجزة بنيويا عن رؤية منطويات التحول الحاصل، بانتظار الانبثاق التصوري والواقعي الثاني اللاارضوي، المتطابق بنية وكينونه مع التحولية المستجدة، والباقي في انتظارها على مدى القرون، قبل ان تاتي هي فتسهم في تهيئة الاسباب اللازمه، والتي لامعدى عنها للتحقق اللاارضوي، القصد والمطلوب الاصل من الظاهرة المجتمعية ومآلها.
وكانت اسباب التطابق اللاارضوي العقلي المبتدء بالاله المصنعية قد وجدت منذ القرن السادس عشر، قبل بداية الانقلاب الالي الاوربي، مع عودة الكيانيه المتعدية للكيانية الازدواجية لارض مابين النهرين للانبعاث في دورة ثالثة، بعد انقطاع هو الثاني الفاصل بين لحظة انتهاء الدورة الثانيه العباسية القرمطية الانتظارية عام 1258 بسقوط بغداد، وهو ماقد بدا اليوم في ارض سومر ذاتها، التي عرفت الدورة الاولى السومرية البابلية الابراهيمه، وظل يتشكل تحت طائلة حال البرانيه والتعاقب الاحتلالي للعاصمة الامبراطورية المنهارة من ايام هولاكو بلا توقف، وصولا الى الطور الاوربي الحديث الالي، وريث البرانيه الشرقية ومتبقيات الدورة الثانيه خارج بؤرتها الابراهيمه واخرها العثمانيه، الامر الذي الحق ارض الازدواج بالاليات المستجدة الاوربية وغلبتها الكوكبيه مولدا نوعا من الاصطراعية الضرورية، المفضية بالانقلابية الالية الى ماهي متطابقة معه من اشتراطات متعدية للانسايوانيه الارضوية التي جرت محاولة اخضاعها لها ولمقاييسها وتصورها ابتداء.
ومن يومها نشات متولدة العناصر اللازمة والضرورية الفعلية للانتقال الالي، باعتباره انتقالا "عقليا" مجتمعيا، بما يعني ان الالة توجد ابتداء واصلا لاارضوية، لاتكتمل وتصير هي ذاتها الا مع انتقال تفاعليتها واثارها، من اوربا وامريكا الى ارض اللاارضوية، فالالة وسيلة انتقالية لاارضوية، تبدا محكومة واقعا ورؤية للغرب الارضوي وتنتهي الى حيث لابد ان توجد تلبيه لحاجة وضرورة تاريخيه انتقالية من المجتمعية الجسدية، الى المجتمعية العقلية، وبكلمه فان الانقلاب الالي ومترتباته، تبدا اوربية تصورا ونموذجا، لتنتهي كوكبيه بعد ان، وخلال صيرورة الظاهرة الجديدة عالميه.
ولايجوز ان ننسى بان الدورة الثانيه الامبراطورية الرافدينيه قد هيات خلال خمسة قرون من تصدرها العملية الاقتصادية التجارية العالمية، الاشتراطات الضرورية الممهدة للانقلاب البرجوازي الالي على المنقلب الاوربي اصلا، ضمن سياقات عملية التفاعل المجتمعي التصيري الكوكبي، في حين انها عادت فعجزت مرة اخرى كما كان حصل في دورتها الاولى عن الانتقال الضروري المتناسب مع كينونتها، الى المجتمعية العقلية لاستمرار افتقادها للاسباب والوسائل اللازمه ماديا واعقاليا، ماقد اوجب وقتها اعلان الاحالة الانتظارية الى دورة مقبله كما حدث في سامراء شمال بغداد، مع الغيبه.
اليوم مع "دورة النطقية المؤجلة" تحل التصادمية الكبرى، تصادمية"فك الازدواج" الذي لاسبيل ثالث معه، فاما النطق المؤجل، او الفناء، ومع سحق وتدمير اخر امكانية اتيحت بالصدفة الريعية لتقوم من عام 1968 قوة حاكمه من الاطار الاعلى، بالنفط والايديلوجيا بدل الامبراطورية، ومع تعذرها، فقد انتهت الاحتمالية البنيوية/ الامبراطورية الكوينه/، حتى بصيغتها المفتعله المرتكزه لعامل من خارج التوازن المجتمعي الازدواجي التاريخي، وهو ماقد ترافق مع نوع اصطراعية تدميرية لاسس واحتمالات انبعاثها مجددا، لضعفها البنيوي بذاتها اصلا، ولان وسيلتها جهاز "الدولة" الموروث قد تم سحقه كليا.
المقاومة العراقية للاحتلال الامريكي في المناطق الغربية، والتفجيرا ت التي بلغ عدد ضحاياها ضحايا حرب بين دولتين، ومايزيد على ماعرفته الكرة الارضية من انفجارات خلال نصف قرن، و حلم "استعادة الخلافة" من جامع في الموصل من قبيل مؤسس داعش، واحتلال داعش اكثر من ثلث مساحة العراق، ظواهر متلازمه من حيث الدافع ومحركها الاساس للازدواج المجتمعي وفقدان الاطار المجتمعي العراقي الاعلى، لممكنات الوجود الازدواجي المتشبه بالحاكم، انتهت الى ختم دور المجتمعية العليا الارضوية، وبدء "فك الازدواج" بينما لاتعود الديناميات التكوينه السفلى فعالة، بعد ثقل وطاة الفترة الريعية، وماتلاها من حروب متواصة وحصار، مع حضور التاثير الاقليمي الايراني، وقيام الريعية بلا دولة من جمع من متقاسمي الغنيمه بلا افق ولامشروع، مجموعات من المختبئين خلف سور من الكونكريت داخل بغداد، بينما البيئة الاصل تتهاوى، والنهران يتضاءلان لدرجة احتمال الاختفاء ليغدو العراق "ارض مابعد النهرين"، بعدما كان "ارض مابين النهرين"، ولتنتقل الاشتراطات على هذا الصعيد من خانة "العيش على حافة الفناء، البيئية التاريخيه، الى العيش بانتظار الفناء.
ولايحل هذا الانتقال مفردا او كحالة عراقية بذاتها، فالعالم يومها يكون قد شارف على الانتقال الى الطور "التكنولوجي الاعلى"(1)، بينما بدا الغرب وفي المقدمه واجهته الامريكية، الانتقال ليصبح من الماضي ككينونة مجتمعية تفتقد الى الوسيلة المتلائمه معها انتاجيا، وهو ماظل مستمرا ابان محطتي الالة المصنعية والتكنولوجيا الانتاجية الحالية، وبؤرتها الامريكيه، ومن يومها يدخل الاضطراب المتواصل الاختلالي، ويصير الغرب مصدرا للتازمات الكارثية المتواصلة، بيئيا وعلى مستوى صلاحية اشكال التنظيم المجتمعي، ومنها "الدولة" الكيانيه الوطنيه المتهاوية سياديا، ومايتعلق بالممارسة المعروفة ب "الديمقراطية"، اهم مرتكزات النموذجية الاوربيه الحداثية عالميا.
وقتها يحل الاوان، وتاتي ساعة "الانقلاب الفكرة"، بما تعنيه من افصاحية العالم الاخر المطوي المؤجل على مر التاريخ التصيري البشري، ولاتنتفي لحظتها تراكمات المدى الطويل من العيش خارج الاعقالية الضرورية في ارض الرافدين، وقد ظلت ازدواجية لاارضوية اصطراعية واقعا ومسارا معاشا، محكوما للدورات والانقطاعات، هذا بينما يخيم على العالم وقتها حال من التفارقية التدميرية، الموصولة باحتمالات الفنائية الشاملة، اساسها تدني مستوى الاعقال والادراكية مقابل نوع ما حل على العالم والمعمورة من اشتراطات كارثية، لاحل لها، ولايمكن التعامل معها، الا بالانتقال الى ما يتوافق مع طبيبعتها غير المدركة، بينما يكون العقل خاضعا لمنظومة المفاهيم الارضوية، وعلى راسها مفاهيم الغرب الحديثة الارضوية الغالبة والمتسيدة، باعتبارها قمه العقلانية و"العلم".
يتفاعل الواقع والعقل الكينونة والادراك، على مدى التاريخ المجتمعي ازدواجا، ادراكية ظاهرة انسايوانيه زائفة، واخرى مضمرة تظل مطوية، من دونها لاادراكية للذاتيه المجتمعية، فان حضرت ابتداء اوليا، فبصفتها نوعا من الحدسية المتناسبة مع اشتراطات الغلبة الكلية الارضوية الانسايوانيه، كما كان عليه الحال مع الابراهيمة التعبيرية اللاارضوية الاولى غير التحققية، الى ان تصل المجتمعية الارضوية نهايتها، واخرمتبقيات صلاحيتها بعد الانتقال الى الوسيلة الانتاجية المتعدية لها ولكينونتها، ووقتها يصير الوعي الارضوي واستمراره عامل تزوير للواقع مجاف للمعاش، متناقض مع مجريات الحياة والوجود، ومقتضيات لحظة الانتقال الكبرى الراهنة من الجسدية الى "العقلية".
سواء في العراق او في العالم ككل، فان الانقلابية الادراكية تصير اليوم لزوما لامجتمعية قابله للحياة والاستمرار بدونها، بينما يصير "قران العراق" المؤجل المتطابق كينونه اصل مع اشتراطات التحولية، وهوالاستمرار الناطق بالتحولية الكبرى، وبعد الابراهيمية التي انقضى زمنها، بعدما لعبت المطلوب منها بغرسها الازدواج في قلب المجتمعات الاحادية الاوربية والذاهبة شرقا الى الصين، تطل اليوم حكما التعبيرية اللاارضوية الكونية الثانيه "العليّة’/ السببيه"، باعتبارها الرؤية المجتمعية المطابقة لاشتراطات الاستمرار المجتمعي، باماطة اللثام عن "الانساني" العقلي، بما هو منتهى ومآل المجتمعية ابتداء من اول تبلوراتها في ارض سومر جنوب ارض مابين النهرين.
لن تمر على العراق والعالم اكثر من عشرين عاما، الا وتكون الاحتدامية الافنائية قد غدت واقعا يوميا، والغرب في اضطراب واختلال مدمر، والمعمورة تخيم عليها الكارثة صنوفا بلا مخرج ولاسبيل، ذلك هو الفعل البديهي للانقلابية المجتمعية بناء لتبدل وسيلة الانتاج، وتراجع وتقلص فترة الامان البيئي، غير ان مانعلن عنه ونقوله مجرد تكهن لادليل يؤكده الان، وتلك واحدة من خاصيات الكائن البشري الانسايوان، الى حين ينكوي ويصير في قلب اللهب، يومها قد يعي معنى النداء، اما " قران العراق"، التعبيرية اللاارضوية الثانيه مابعد الابراهيمه، او الفناء.
ليس التحول الالي مرهونا باوربا، وان هو انبثق في ظهرانيها، فان هي تعاملت معه بطريقتها وشروطها المجتمعية كابتداء، فان هذا لايعني نهاية التصورات، او شكل الانعكاس المتوقع على المجتمعية مع تحول الاله الى العالمية، حيث يفترض ان تظهر الرؤية الشاملة الكونية، الناجمه عن الانقلاب النوعي المذكورالفاصل على المعمورة، لاعلى جزء منها. كما هو الحال السائر والمكرس من قبل الغرب الى اليوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) https://www.youtube.com/watch?v=QmaBbpNBy3k.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق