الثلاثاء، 19 أكتوبر 2021

أيمن فوزي

 قصة قصيرة ......صابرة 


يجلس على الأريكة المقابلة لسرير أمه ينظر إليها مستنداً بيديه على ركبتيه و قدماه تتشبثان بالأرض من هزة الألم حين يرى أمه كذلك ولكنه مازال متماسكاً يخنقه البكاء.

رغم مرضها المهلك إلا أنها متماسكة أيضاً فترتسم بسمة رقيقة على شفتيها، فهي كعادتها قوية شديدة الإحتمال صبورة كتومة و لكنها ما عادت تحتمل ألم هذا المرض اللعين، فالفشل الكبدي يخل بكل الوظائف و يؤثر عليها جميعاً ما بين تنفس و مياه زرقاء على العين، ناهيك عن الألم المضني و النسيان.

وهو يعمل في محافظة أخرى فلا يتثنى له أن يتمتع برؤيتها إلا كل شهر أو يزيد فما إن تحس خطواته على الدرج إلا و تستقبله بنداء رقيق فيسمع إسمه و كأنه كذلك لم يسمعه من قبل، فتمر أمامه في لحيظات ذكرياتها التي مزجتها بحلو الحياة و مرها وهي دائماً كانت سره و سنده و الجانب الذي يأوي إليه كلما ضاقت به الدنيا و طحنه الدهر.

هي هي من تجد صعوبة في الجلوس، لا تستطيع أن تستقر على جانب واحد من الألم و قد علت كل تفاصيل وجهها علامات المرض، تنتابها بعض الوقت غيبوبة قصيرة و يتملك منها النسيان فتجاهده، و رغم ذلك تنسى البعض و تتذكر البعض بصعوبة و لكنه تحسه دائما، فهو البكر و فرحتها الأولى.

يقرأ كثيراً فى الآونه الأخير عن هذا المرض و مراحله وقد بدأ طبيبها تقليص الأدوية والإستغناء عن الأدوية الباهظة الثمن وكثرت مرات بذل المياه من جسدها رغم تعليماته أن تصبر أكبر مدة ممكنه بين كل مرة و الأخري و لكن هيهات مع هذا الألم و الضيق الذي تسببه هذه المياه و تراكمها في جسدها.

ويراوده هذا السؤال الذي لكم تجنبه و تجنب الإجابة عنه و لو بينه و بين نفسه: هل من الأفضل أن يتغمدها الله برحمته؟ و هو بلا تردد يتمني أن يلحقه قدر الموت قبلها فيوسوس لنفسه فيزيد ألم المرض ألم الفقد و الفراق و هو يردد "اللهم أرحها و أرحمها و إجعل هذا المرض في ميزان حسناتها.

وسط هذه الإطراقة و كأنها تحس به و تقرأ تفكيره تلتفت إليه بابتسامة جميلة يخنقها الألم " ما تخافش يا حبيبي أنا كويسه الحمد لله، قوم إطلع فوق إستريح شويه".

وهو يعلم تماماً أنها فاض بها الوجع و تملكها الألم فتريد أن تفضي بألمها ووجعها لوحدتهاو فراشها الذي تلازمه مؤخراً فهو يسمع توجعها كل ثانية فغرفة نومه تعلو غرفة نومها مباشرةً، وهي لا تريده أن يرها في ضعف مرضها وآلامها المبرحة وقد كانت عمود المنزل والخير الذي يملأ الدنيا كلها من حولهم جميعاً، فيردد و هو يمضي " يعني إنت كويسه ؟؟؟" وهي تردد بصوت خافت لا قوة فيه يكسوه الوجع " الحمد لله يا حبيبي".

ينظر نظرة طويلة لباب المنزل و لا يغلقه خلفه فقد.كان دائما مفتوح بحسها، عامر بوجودها ليصعد إلى شقته و هو يدعو في نفسه اللهم أرحها فما باتت تقوي على هذا المرض و إن مددت في عمرها فخفف عنها مرضها فإنها المرحلة الأخيرة طالت أم قصرت فهو الموت ينتظر. 


أيمن فوزي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خسرت نفسك

 خسرت نفسك متى خسرت نفسك ضيعت يومك وأمسك محوت ذكراك وإسمك لِتباع في أبخس صفقة متى سرت بهذا المضمار أين جرفك وأخذك التيار ألقيت الطهر في سعير...