الجمعة، 29 أكتوبر 2021

أيمن فوزي

 البحث عن سكن 


يسرعون بعد صلاة الظهر حتى يلحقون بعم علي الشوباشي الذي سيساعده في إيجاد شقة للشراء، ليلتقيه عند "فرن أبو مني" فيمضي هو و الولدان بهمة و سرعة في شوارع لم يألفوها بعد، فهي أسابيع منذ سكنوا بورسعيد للدراسة في إحدى كلياتها. 


يتصل به الوالد تليفونياً و يتبادلان الحديث حتي يستطيع التعرف عليه فيخبره أنه يلبس فنلة خضراء فيلتفت بسرعة عن شماله فيجده يلوح له بالقرب من باب الفرن فيسيران بإتجاه أحدهما الآخر ليسلموا جميعاً سلاماً سريعاً. 


يوقف تاكسي بسرعة فيسرعون إلى الداخل و هو يخبر السائق "خديجة عند كلية طب" و ما هي إلا دقائق حتى يكونون أمام باب كلية التجارة مباشرة ليشير إلي أحد بنايتين مقابلتين لكلية التجارة "الشقة في واحدة من العمارتين دول" و يستطرد في الحديث ليبعد الشبهة عن هذه المنطقة و أنها منطقة بها الأمان و الانضباط حتى ينفي عنها ما سمعه من سمسار آخر، مشيراً إلى عمارات في آخر الشارع ليصمها بعار الفتونة و قطع الطريق و تجار المخدرات و السلاح متغافلاً أنا بمعيار القرب و البعد و الجذب لهذا النوع من الناس فهي منطقة قريبة جداً. 


يعرفهم علي الشوباشي برجل قادم ليقابلهم في منتصف الشارع ، ليرجع معهم إلى مكان جلوسه إلى جانب رجل من بعيد توقن أنه من صنف ما أشيع عن هذا الشارع يقرب لهم الكراسي ليجلسو سوياُ على رصيف ملاصق للعمارة الثالثة من الطريق الرئيسي و يقدمه لهم "ابو شهد" فيسلم عليهم و هو يشير إلي العمارة المقابلة و لكن كل ما لفت نظر الوالد هو أثر كبير لجرح قديم في الرقبة و هذا الترنج الأحمر والسلسلة الجنزير التي يلبسها يحدث بها نفسه"كله أحمر في أحمر"، ليعود بعد قليل و مازال يعتمر نظارته الشمسية العريضه،، تكاد زراعيها تغوص في لحم وجه ما فوق أذنيه " هيفوق بس و نبص على الشقة" بصوت أجش. 


هو الآخر يشرح كم هو مسيطر على المنطقه و أن الشباب لا يقفون بهذا الشارع و يمدح القرار بالاستثمار بشراء عقار في هذه المنطقة لأنها هي المستقبل، فيتلفت متبعاً إشارات يده ليجد كل المباني متربة بنفس الشكل و الهيئة، متاكلة الجدران قبيحة المنظر غير نظيفة بالمرة لتوحي بساكنيها وهو مازال يقص أمجاده في البيع و الإيجارات كسمسار متمرس منذ سنين. 


يشير إليهم أن يتبعون ليرون هذه الشقه "اللقطه"، مدخل قذر ترتمي الزباله على درجات سلمه ليفاجأوا بباب على الجهة اليسرى من مدخل العمارة يفتح و يستقبلهم رجل تظهر عليه علامات النوم، و الشقة ذات سقف غير مرتفع تكاد تلمسه بيدك، مظلمة و غرفتان ضيقتان محاطة بحديد من الخارج للحماية و التأمين. 


ينهون المعاينة بسرعة و ينطلقون خارجاً، ليجلسوا في نفس المكان في الشارع و حين يمعن في إقناعهم أنها منطقة سلطته و أنها في قبضته يقوم من مكانه ليعطي إمرأة منقبة ورقة أخرجها من ملابسه و يتمم لها ببعض الكلمات و تمضي، إلى رجل يأتي مسرعاً فيشير إليه " روح شوف عاوز منك ايه و لا يهمك" ليتمتم الرجل له بكلام غير مفهوم إلا أنك تستطيع أنه خلاف وتكاد قسمات وجه الرجل تنبض بالخوف، فيقفز بذهنه مشهد مقابلة زعيم العصابة في الأفلام المصرية، إلى آخر يقبله و يلتقط شيئاً من كفه حتى أنه لم يتبين ما إلتقطه الرجل و هو يمضي دون توقف، كلها مواقف تلقي بالريبة من هذا المكان. 


في الجانب الأخر يريد أن يفهمهم أنه يكره السكن في الدور الأرضي وكذلك يعضد كلامه بمستوى نظافة العمارة والشقة السيء جداً و أبو شهد مازال يحاول إقناعه بجدوى الشراء في هذه المنطقة من حيث القرب للكلية وكذلك من ناحية الإستثمار في الوقت الحالي والمستقبل. 


يتبادلون جميعاً أرقام التليفونات و هو يلحظ إشارات بين الرجال الثلاثة من السمسار والآخرين و كأنها وليمة سيتقاسمونها فيسلم عليه على وعد إن ظهرت شقة مناسبة أن يتصل بهم، فيأخذ هو الآخر الولدان ويسلم على عم علي ليخبره أنه سيرى شقة في منطقة أخرى و مازال عم علي يقنعه بهذه المنطقة وأنه لا يجب أن يتم أي إتفاق مع أبو شهد  السمسار بدون علمه كما همس له صديقه الآخر الذي يقطن في العمارة القريبة من السمسار وهم يهمون بالرحيل من هذه الجلسة. 


يحس أن الجميع يحسبونه غريب وسيكون لقمة سائغة للجميع، و هو يضحك في نفسه و قد مر بهذه الأمور مرات عديدة قبل ذلك، فينطلق التاكسي إلى منطقة مجاورة ليرون شقة أخرى و تستمر رحلة البحث عن شقة مناسبة و هو يحس أن آمال الرابحين من عدم تتعلق بسذاجة بعض الباحثين عن ما يناسبهم. 


أيمن فوزي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خسرت نفسك

 خسرت نفسك متى خسرت نفسك ضيعت يومك وأمسك محوت ذكراك وإسمك لِتباع في أبخس صفقة متى سرت بهذا المضمار أين جرفك وأخذك التيار ألقيت الطهر في سعير...