قلوب جريحة
فادي وفاديا
حلقة 1
فادي وفاديا طفلان صارا في السنة الثالثة من عمريهما. فاديا ابنة صاحب القصر، وفادي ابن السائق الذي يعمل عند صاحب ذاك القصر.
الولدان كانا يلعبان سوية يومياً، ويملأن حديقة القصر بالضحك واللعب والركض... يتمرجحان، يتزحلقان، وهناك ألعاب كثيرة متعددة تملأ الحديقة، وأحياناً ينزلان إلى مياه المسبح المغلق الدافئة إذا سمحت لهما المربية بذلك...وكانا كثيرا ما يتشاجران وحتى يضربان بعضهما البعض مما يجبر مربية فاديا على التدخل ومصالحتهما وإعادة المياه إلى مجاريها.
الطفلة فاديا تعيش في قصر أهلها الفخم، الذي اشاده والدها فوق إحدى تلال لبنان الجميلة في منطقة قريبة من مدينة بكفيا بعد أن جلب ثروة كبيرة من افريقيا كسبها من تجارة الفاكهة الاستوائية التي كان يصدرها إلى أوروبا وامريكا.
لكن عندما عمت في افريقيا صراعات مذهبية وعنصرية وسياسية، ترك الرجل افريقيا وعاد إلى بلاده...
بنى ذاك القصر في قريته بأجمل ما يمكن تصميمه من فن العمارة آنذاك، وتزوج من فتاة جميلة من أقرباء العائلة كانت تعمل معلمة في مدارس الراهبات في تلك القرية.
زوجة صالحة زينت حياته، وزينت له قصره... وعاشا سعداء في ذلك القصر الذي يشرف على الجبال الخضراء، ويطل على البحر الأبيض المتوسط...
ذاك البحر الساحر الذي تتغير الوان مياهه الزرقاء تزامناً مع ألوان الغيوم العابرة الملونة بالوان أشعة الشمس والتي تشكل لوحات رائعة متغيرة الأشكال والألوان مرسومة بريشة خالق الجمال الذي يلهم الشعراء والفنانين وذوي المشاعر الرقيقة الشفافة، والتي تسجد في معابد الجمال تطلب الصفاء، وتطلب السكينة والتأمل...
تلك المناظر الرائعة المرئية في تلك المنطقة الصنوبرية المرتفعة لها سحرها الأخاذ وخصوصاً بعيد سقوط المطر عندما تخترق أشعة الشمس الغيوم فترسم السماء قوس قزح يمتد في السماء شاهقاً فوق الجبال المتباعدة والبعيدة، والمدهش تسقط ألوان ذاك القوس القزحي على التلال المتجاورة والبعيدة، وفوق كل تلة، لون من الوانه الساحرة رائعة الجمال...حينها يجد المرؤ ذاته، وبعفوية يسجد بقلبه، يمجد الخالق الذي صنع كل هذا الجمال الرائع...
المطر يشارك بغسل الفضاء، ويغسل شجر الصنوبر فيصبح غاية في الزهو بألوانه الخضراء اللامعة، وكذلك يفعل بتنظيف أسطحة البيوت القرميدية مما يزيد المنطقة فتنة. أما الأزهار البرية هنا وهناك مختلفة الألوان فتلك قصة أخرى تقدمها السماء لعشاق الربيع والطبيعة...
فادي ابن سائق القصر، يعيش برعاية اهله في البيت الصغير، بجوار بيوت خدم القصر في حديقة تلك الدارة الواسعة. وهو صديق فاديا الوحيد، الحقيقة ليس هناك أطفال غيرهما في ذلك القصر الواسع.
فادي وفاديا خلقا في ربيع عام 1984، أم فاديا انجبت ابنتها في أضخم مستشفى في بيروت. لكن تعثرت ولادتها جداً حين ذاك، ووصلت إلى حالة حرجة، مما أضطر الأطباء لإجراء عملية قيصرية لإنقاذ الطفلة وامها ولولا رحمة ربنا، كانت الزوجة قد رحلت إلى الديار السماوية...
وجاءت فاديا رائعة الجمال، لكن الذي جرح قلب أمها قال الأطباء لها : بأن عمراً جديداً كتب لك، لكن للأسف لا تستطيعين الانجاب ثانية...
كانت أم فاديا غاية في الفرح بابنتها الجميلة، ولكن كان قلبها تملأه الجراح كيف لا تستطيع أن تنجب أخ أو أخت لفاديا...
جاء الأقارب والأصدقاء حتى يباركون للأم بقيامتها بالسلامة ويستقبلوا طفلة جديدة جاءت إلى عالمنا...
فاديا استحوذت على دلال العائلة، وحظيت باهتمام الجميع، ونالت كل الرعاية من أهلها، كما احضروا لها مربية مختصة بتربية الأطفال لتساعدها وتساعد امها.
امتلأت غرفة فاديا بأنواع الألعاب الجميلة.
ربيع تلك السنة بعدما خلقت فاديا، شعرت زوجة سائق القصر الحامل بالمخاض، وسرعان ما جاءت قابلة من المنطقة ساعدتها على الولادة في المنزل، وجاء الصبي واسموه فادي، تيمناً باسم فاديا ابنة أصحاب القصر.
فادي كان بصحة جيدة لأن امه كانت ترضعه من حليبها المدرار، بينما ام فاديا استعصى عليها ارضاع ابنتها، وهذا ما زاد في جراح قلبها، لذلك كانت علب الحليب المجفف هو غذاء الطفلة، بدل صدر الأم الحنون...
ام فادي طلبت من ام فاديا ارضاع ابنتها كون حليبها يفيض عن ابنها...لكن أم فاديا رفضت هذا الأمر بشدة وقالت إنها ابنتي وحدي.
الدلال الذي حظيت فيه الطفلة شيء لا يحصل في كل البيوت.
الاستحمام اليومي للطفلة كان عرساً حقيقياً، أفخر أنواع الصوابين وأجمل الألبسة، وأشهر انواع العطورات...
والعناية المركزة في كل اللحظات...
بينما ام فادي لا تعرف أياً من كل تلك الأمور. أصلاً وضعهم المادي لا يسمح لها حتى بالتفكير في شراء بعض من تلك الأنواع الغالية...وراتب أبو فادي لا يسمح له أن يشتري أشياء غالية الثمن، صحيح هو رجل طيب، بسيط كان راضياً بحياته في تلك الشقة السكنية الصغيرة. المجاورة شقق خدم القصر، سعيدا بحياته، يتمتع بقيادة السيارة الفخمة، وهو يرتدي لباس السائق الرسمية الأنيقة، وطعامه وعائلته من طعام القصر الذي تطبخه الخادمات، وطبعاً السكن مجاني، ومعاشه يؤمن له ولعائلته احتياجاتهم الشخصية.
كانت الأيام تكبر، وفادي وفاديا يكبران معها...
وعندما سمحوا لفاديا أن تلعب في الحديقة تحت مراقبة مربيتها...التقت فاديا مع فادي...
الطفل الوحيد في ذاك القصر ومن الطبيعي كل جيل يطرب مع جيله.
ومنذ ذاك الحين بدأت قصة الحب الملائكي بينهما، في البداية كانت أم فاديا تمانع هذه الصداقة الطفولية الملائكية البريئة...لكنها شعرت بسعادة ابنتها عندما كان فادي يلاعبها وفاديا تضحك من اعماقها فرحة، وهما يركضان في حديقة القصر... ولم تعد أم فاديا تشعر بالانزعاج عندما تعود ابنتها وثيابها متسخة طالما ذلك يجعل ابنتها فرحة برفقة طفل من جيلها تلعب معه...
فادي طفل ربته الشمس وهو يلعب في حديقة القصر وأمه تقول: لا بأس اريده ولداً قوياً يعارك الحياة وينتصر على صعابها، دعوه يلعب ويمرح كيفما يشاء ذلك أفضل.
الكاتب: عبده داود
إلى اللقاء في الحلقة 2
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق