** إلى متى نظلّ نبكي في الشتاءْ **
إلى روح شكري بلعيد
في ذكرى استشهاده.
" لا شيْءَ يَنْمُو في الشتاءْ
غيْرُ الرّمادِ في الكانونْ
و كلُّ شيْءٍ فيهِ يَجْمُدُ
إنْ باتَ في العراءْ "
كانتْ تقولُ و هْيَ مِثْلُ نَمْلَةٍ
وديعةٍ، نشيطةٍ
تُخَزّنُ في هِمَةٍ
ما تستطيعُ حَمْلَهُ مِنَ الحَطَبْ
لِغَيْرِ ما تفْعلُهُ
امْرَأةُ أبي لَهَبْ .
☆ ☆
و في لَيالي البَرْدِ حينَ نَزْحَفُ
للسّمَرِ في غِبْطَةٍ نَحْوَ اللّهَبْ
و نَفْرُكُ العيونَ كُلّما
أسالَ دَمْعَنا الدّخانُ في صَخَبْ
كانتْ تقولُ كَيْ تُطَيّبَ الخواطِرَ:
" أحْلَى العيونِ دائمًا يعشقها الدّخانْ"
فَيَغْمُرُ قلوبَنا الصّغيرةَ
فَيْضٌ مِنَ الحنانْ
و تَرْسُمُ عيونُنا
و نحنُ أسْرَى لِحكايةِ جدّتِنا
بِرَغْمِ الدّمْعِ صورةً بَهِيّةً للجازِيَهْ
أوْ لابْنَةِ السّلْطانْ.
☆ ☆
لَوْ عِشْتِ حتّى تَشْهَدِي ثوْرتَنا
و تدْخُلِي جنّتَنا
لَرُبّما أدْرَكْتِ يا أمّاهُ دونما عَجَبْ
أنّ الرّمادَ ليْسَ وحْدَهُ ما يَنْمُو في الشّتاءْ
و ليس وحْدهُ الكانونُ ما ينْبعِثُ مِنْهُ اللّهَبْ.
☆ ☆
طُوبَى لَكِ
لأنّكِ لَمْ تعرفي اسْطوانةً جميلةً
تُسَيّلُ الدّموعْ
و لا رأيْتِ عجَلاتٍ تُشْعَلُ
و لا أحْجارًا في الطّريقِ تُنْضَدُ
لِتُرْبِكَ حركةَ البوليسِ و الدّروعْ.
طُوبَى لَكِ
لأنّكِ لَمْ تَشْهَدي
حينَ يَجورُ البرْدُ كَيْفَ يَكْثُرُ الكَذِبْ
علَى المنابِرِ
و يَعْوِي في البيوتِ الجوعْ
و كيْف في الشوارعِ
ينْفَجِرُ الغضَبْ
و تُعْلِنُ التمرّدَ الجُموعْ
و تخْرقُ الحِصارَ موْجًا هادِرًا يصيحْ:
" لِيسْقُطِ النّظامْ
الخبزُ و الحريّهْ
كرامهْ وطنيّهْ
لا للخضوعْ
لا للرّجوعْ..."
☆ ☆
دموعُنا تسيلُ كُلّما أتَى الشّتاءْ
تُسيلُها في الشارعِ القنابلُ
و في البيوتِ الحزْنُ حينَ يُقْتَلُ و يُسْجَنُ الأبناءْ.
إلى متَى نَظَلّ نبكي في الشتاءْ؟
إلى متى يظلّ موْسِمُ الأمطارِ مَوْعِدَ الدّموعِ و الدّماءْ؟
إلى متى الدّموعُ و الدّماءُ فيهِ تذهبُ هَبَاءْ؟
مَتى يُرَى في الأعْيُنِ دَمْعُ الفرحْ
و تغسلُ وجوهَنا مدامِعُ السّماءْ؟
متى نستنْشقُ هواءَكَ النّقِي
و عِطْرَكَ الشّذِي
يا وَطَنًا يحْتكِرُ فيهِ اللّصوصُ الماءَ و الهواءْ
و الخبْزَ و الكساءَ و الدّواءْ؟
إلى متى نَظَلّ في الشوارعِ ننْتَفِضُ
لكنّنا في الخلوةِ نخْتارُ هؤلاءْ؟
عمار العربي الزمزمي
الحامّة، تونس، جانفي 2021
من ديواني" في انتظار الربيع".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق