قصة قصيرة :
ورقة من شجرة
الحياة تحمل مفاجآت متتالية في طياتها رسائل تحمل من التناقضات الكثير ، مثل أبي الذي لم يعد إلى يومنا هذا ولا نعلم عنه شيئا ، أخبر أمي أنه سيبحث عن عمل ويعود لينقلنا إلى العيش في مكان أفضل ، كنت جنينا في رحم أمي ،لم أر نور الدنيا بعد ، مرت أشهر الحمل وتكفلت بولادة أمي السيدة حليمة جارتنا الغنية التي كانت أمي تشتغل عندها كخادمة في قصرها الفخم في قرية أبنائها بسطاء ، أغلبهم يشتغلون في ضيعات الأغنياء الذين يمتلكون الأراضي والبيوت فيها ، كان أبي أيضا يشتغل عندها كحارس لقصرها وأصبح يرافقها كحارسها الشخصي بعد وفاة زوجها بسبب تسمم أصابه أثناء رحلة سياحية خارج البلد ، الأغرب كانت زوجته معه ولم يحدث لها شيئا مما كان يثير التساؤلات والشك حول شخصها ... لم أرتح لها يوما رغم أنها تعاملني بشكل جيد وتساعد أمي في تسديد أقساط دراستي منذ أربعة عشر سنة ، فهي جد متعاطفة مع حالة أمي خاصة بعد رحيل أبي بدون أسباب جدية إذْ كادت تُجنُّ بسبب هذا الغياب غير المتوقع ، فقد كانت تحبه حبا كبيرا وكانت حالتهم المادية أنذاك مستورة ومقبولة ... لكن طموح أبي كان يفوق طموح شخص في قدراته البسيطة التي لا توافق سوق الشغل ومتطباته سوى أنه كان وسيما يعجب بمظهره الكل وهذا هو الأمر الذي قاد أبي ليصبح أنانيا لا يفكر إلا في نفسه ، معجبا بمظهره وبشبابه .... بعض النعم إن لم يقدرها الإنسان بشكل جيد تقلب إلى نقمة تجعل حياته متخبطة في العشوائية والنفاق ... كم من جميل أصبح مدمنا وكم من وسيم أصبح قبيحا وكم من حسن الوجه أصبح مثلا يضرب به في حالات عدم الرضى والطموح الزائد على حساب أحبائه مثل أبي ...
كبرت بين القصر وغرفة أمي المتواضعة ، أجري هنا وألعب هناك ، وكل يوم من عيد ميلادي تهديني أمي هدية باسم أبي حتى كبرت وعرفت أن هدية أبي كانت فقط وهما من أمي كي لا أحس بغيابه ، كبرت وكبرت عقدة الأب الغائب الذي لا أعرف ملامحه سوى من بعض الصور القديمة وأن ملامح وجهي تشبهه كثيرا من خلال ما تقوله أمي والسيدة حليمة ...
في الآونة الأخيرة ، وصلتني رسالة من أبي ،حقيقة وليست وهما كهداياه ، مضمونها أنه يحبني كثيرا ويعتز بي ويفتخر بتفوقي الدراسي كما أنه يهنئني على انضمامي إلى صفوف القضاة ، وأنه لم يرد يوما أن يتركني أو يترك أمي لولا ظروف العيش التي لم ترق له وأراد البحث عن الأفضل لنا ...
_ كتبت له ردا على رسالته :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد ،
الإنسان يقطع الأشجار من الغابة ويكتب على أوراق منها : أنقذوا حياة الأشجار .
توقيع
ورقة من شجرة .
في يوم من الأيام، بعد التحاقي بالتكوين والتخصص الدراسي بالمدينة ، رأيت السيدة حليمة جالسة في أحد المقاهي وبجانبها رجل ماسكا يدها ، أظن أنه حبيبها أو زوجها الجديد ، تسمر بصري عندما اقتربت أكثر واتضحت ملامح الرجل ... نعم ، إنه هو ، من طينة ذلك الإنسان الذي يقطع الأشجار ...
🌼🌼🌼
بقلمي سهيلة مسة / المغرب 🇲🇦
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق