الحب والواجب""
بقلم الكاتب: عبده داود
تموز.2021
وصل أمير من أمراء المملكة، يرافقه عديدون من الوجهاء ليطلبوا يد أبنة الملك...
الأميرة رفضت العريس، بحجة إنها غير راغبة في الزواج والحقيقة هي تبحث عن حب يملأ كيانها ويصبح هاجس حياتها... والأمراء الذين تعرفهم لا أحد منهم يعجبها...
فاض بأهل الأميرة، الملك والملكة لأن ابنتهم ترفض كل الذين طلبوا يدها.
سألها ابوها الملك يا ابنتي أنت رفضت أغلب أمراء المملكة، ماذا تنتظرين؟
قالت الأميرة بجدية، سأقبل بشاب يغلب الملك في مباريات الشطرنج... وهي تعرف بأن والدها هو ملك هذه اللعبة لا أحد يغلبه فيها. وأصرت الأميرة على طلبها مما أجبر الملك أن يعلن مرغماً بأنه سيزوج ابنته الوحيدة للشاب الذي يقدر أن يغلبه في لعبة الشطرنج، شريطة موافقة الاميرة.
الملك يعرف بأنه ملك الشطرنج لا أحد يقدر أن يتغلب عليه... ووجد في الأمر فرصة حتى يؤكد لشعبه بانه هو الأقوى وهو الأعظم، وهو متواضع القلب، وكم هو يحب شعبه...
جاء موعد المباريات، جلس الملك على الكنبة الملكية، وجلست ابنته الاميرة رائعة الجمال بجانبه، وجلس الحكام في أمكنتهم المخصصة...
أخذ المتبارون يدخلون تباعاً إلى الصالة المخصصة، وسرعان ما يتغلب الملك على خصمه، ويخرج من القاعة خاسراً، ليدخل لاعب آخر، ولكن كان يخرج ذاك الآخر مكسور الخاطر أيضاً...
أخيراً دخل شاب أسمر وسيم. عيناه تشعان بالذكاء، وابتسامته رزينة، وكان وضحاً بأن ثقته بذاته عالية.
جلس الشاب مقابل الملك، أعلن الحكام بداية اللعبة، حرك الملك (بيدق) كنقلة افتتاحية، سرعان ما رد الشاب بنقلة مقابلة، ودارت اللعبة، واشتد وطيسها بين كر وفر، وكان السكون والترقب يلف القاعة. وكان الحكام يتابعون باهتمام...
طال وقت المباريات، كان الشاب يسرق نظره إلى الأميرة، هاله جمالها، وسحرته انوثتها. أيضاً الاميرة كانت تسرق نظرات إلى الشاب، وانبهرت في جماله ورجولته وثقته بنفسه... تشابكت نظراتهما مرات وقالت العيون الكثير من الكلمات التي يعجز اللسان عن البوح بها...
أخذ الشاب يحاصر الملك بهجومه المركز، وصار العرق يتصبب من جبين الملك... وشعر لأول مرة بانه أمام خصم قوي عنيد...
كيف ينهزم الملك أمام شاب من العوام لا يعرفونه وهل سيزوج الملك ابنته إلى غريب والملك لا أحد يستطيع أن يغلبه في المملكة، غرور الملك لا معنى له، وجنون عظمة مريض...
الاميرة غرقت بروعة نظرات الحب، انفطر قلبها بجمال الشاب، وتمنت أن يخسر والدها المباريات مقابل هذا الشاب الوسيم، الذي أعجبها ولمس شغاف وجدها...
أخيرا، جاءت نقلة الشاب الأخيرة محكمة وكانت هي القاضية على شاه الخصم... اضطرب الملك ولم ينطق.
أعلن الحكام فوز الشاب، ساد صمت طويل، ووجوم في القاعة، لكن الشاب والأميرة كانا يعيشان في عالم آخر. عالم الصمت الجميل، وكان واضحاً عليهما الفرح والرضى، وأخذت الأميرة قرارها بالموافقة على الاقتران بهذا الشاب الغريب، كان من كان، لأنه خطف قلبها وهي لا تعرف حتى اسمه...
كان العرق يتصبب من جبين الملك، يلفه الصمت. التقط أنفاسه والتفت نحو ابنته التي كانت هي الورقة الأخيرة معه التي يرجوها بأن ترفض الزواج من هذا الشاب الغريب الذي لا يعرفونه... وبذلك تنقذ والدها من هذه الورطة التي جلبها لنفسه.
لكن الأميرة فاجأت الجميع، وابتسمت بغنج، وقالت أنا موافقة، أعجبني الشاب...
جمد الملك، وجمد الناس في القاعة وكانوا يتبادلون نظرات الاستغراب والترقب لسماع كلمة الملك...
هل سيتراجع الملك عن وعده.
قال الملك، أنا وعدت، وكلمتي لا تنزل الأرض، الأميرة موافقة، وأنا أعطيك الحرية في الاختيار بالزواج من ابنتي، أو الحصول على هذين الكيسين من الذهب...
قال الشاب، يا للأسف، أنا لم أحلم يوماً بالزواج من أميرة جميلة وابنة ملك، كما إنني لست طالبا للنقود أو محباً لها...
يا ملكنا، أنا اريد قمحاً لأبناء قريتي الجياع...الجوع يفتك بنا، أغلبنا ينام جائعاً، لأن الغلاء فاق تصوراتنا وقدرتنا على الشراء معدومة، نمر في السوق بخجل، ولا ننظر ولا نسأل عن الأسعار حتى لا يتزايد ألمنا...
نعيش في الظلمة لعدم قدرتنا شراء النفط للإضاءة أو للطبخ...حالة البؤس عشعشت في بيوتنا...
مطلبي يا سيدي أن تنظروا إلى ضيعتنا بعطف، اهل القرية يحبونكم، لكن الحب وحده يا سيدي لا يكفي في
زمن الجوع... واجبي تجاه شعبي، أقوى من عواطف قلبي...أنا أسمع صوت الله يقول: بذل الذات من أجل الأخرين من أعظم الوصايا...
لاحظ الملك شحوب وجه الأميرة، وسالت دموعها، وأحمر وجهها خجلاً وأسفاَ. وهي التي رقص قلبها فرحاً لحب شعرت بأنه لامس روحها... هذا الحب الذي نبع منذ دقائق معدودات، ينحسر ماؤه فجأة، يرفضها هذا الغريب، وهي التي يحلم جميع أبناء المملكة بنظرة ود منها...
ساد صمت في القاعة، بانتظار ماذا سيحدث، أمر غريب غير متوقع وكلام قاله الشاب أحرج الملك والوزراء وحاشية الملك... نهض الملك وجاء نحو الشاب: وقال له من أنت أيها الغريب؟ ومن أين أتيت؟
قال الشاب أنا من رعيتك يا سيدي، أنا من القرى المنسية...
قال الملك: غريب الأمر يا هذا أنا أعرف بأننا نرسل المواد الغذائية إلى جميع القرى، ولا يوجد عندنا جائع...
قال الشاب، المفسدون يا سيدي هم الذي يحتكرون ما ترسلونه، ويبيعونه للناس بأسعار مضاعفة مرات ومرات، ويعجز أغلب الناس على شرائها.
قال الملك: للأسف الذين يحرسون الوطن هم الذين يسرقونه؟
الوطن بحاجة إلى شرفاء أمثالك، يحبون بلادهم لا يسرقونها، ضم الملك الشاب وقبله...
عادت الضحكة إلى ثغر الأميرة، وصاحت عاش الملك، وصاح الجميع عاش الملك عاش، عاش...
فرح أهل القرى الجائعة، الذين أنقذهم الشاب من الجوع، وفرحوا لأن واحداً منهم صار في البلاط الملكي مسؤولا نظيفاً...
أثبت هذا الشاب حكمة وسداداً بالرأي، مما جعل مجلس الشيوخ يستشيرونه ويأخذون برأيه...
تزوج الشاب الأميرة وعاشا حبا حقيقيا، وكان أولادهما يملؤون حديقة القصر بصيحاتهم العذبة...
بعد سنوات، أخذ الله أمانته ملك البلاد، واختار مجلس الشيوخ بالإجماع زوج الأميرة ملكاً، وزغردت البلاد كلها فرحا بالعهد الجديد...
تابع الملك الجديد تنظيف البلد من المفسدين العملاء سارقي الوطن...
وقف الناس مع الحاكم الجديد الذي يفعل الخير لشعبه، وإلى الوطن، لا إلى ذاته، وكان هاجسه محاربة الفساد وتقليم أظافره وتنظيف البلد منه...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق