قصة قصيرة
بقلم: مرشد سعيد الأحمد
ثورة المعلوماتية
الجزء الثاني:
غادر خلف قاعة الندوة متوجها إلى بيته خائباً يائساً ونادماً على ما قام به وما تحدث به في هذه الندوة
وفي اليوم التالي عاد إلى مركز الكومبيوتر وجلس على كرسي خيزران في وسط القاعة وهو ينظر إلى أجهزة الكومبيوتر ويسأل نفسه ما ذنب هذا المجتمع الذي يُحرم من هذه التقنية على الرغم من مواصفاتها المتدنية في الأداء وسرعة المعالجة وقدرة التخزين وأسعارها المرتفعة وما ذنبه هو أن يعيش في مجتمع يجهل هذه التقنية ومع ذلك متزمت في رأيه وأفكاره.
وفي هذه اللحظات تفاجأ برجل متوسط العمر يدخل القاعة يبدو من هيئته أنه إنسان مثقف صاحب هيبة ومكانة اجتماعية مرموقة
وبعد أداء التحية دخل معه إلى المكتب ليتعرف عليه
بأنه من تل ألمگأصيص اسمه يعقوب بحي أبو حنا
عاد من أمريكا منذ عدة سنوات يحمل الإجازة في الأدب الإنكليزي وشهادة الماجستير في الترجمة
ويعرض عليه مشروع عمل بتأسيس مركز لتعليم برمجة الكومبيوتر.
تقبل خلف هذه الفكرة بكل سعادة ووجدها فرصة مناسبة لنشر ثقافة المعلوماتية في هذا المجتمع من خلال الدارسين في هذا المركز.
بدأت الدورة الأولى في المركز بعد توقيع عقد العمل بينهما وكان الدارسين في الدورة من كبار الأطباء والمهندسين ممن يحملون الشهادات العليا ويجيدون اللغة الإنكليزية ومنهم كبير الجراحين في تل ألمگأصيص الدكتور دكران نعلبنديان
استهل خلف محاضرته الأولى بلمحة تاريخية فتحدث عن أهمية المعلومات في بناء وتطور المجتمعات
مما دفع الإنسان منذ القدم إلى البحث عن وسائل وطرق لمعالجة البيانات للحصول على هذه المعلومات فاستخدم أدوات بدائية في المعالجة إلى أن وصل إلى الحاسبة الميكانيكية التي تستخدم المسننات في عمليات المعالجة.
وبعد اكتشاف نظام العد الثنائي في الرياضيات المكون
من 0٫1 تم تصنيع أول حاسب إلكترون يعتمد على الصمامات وكان كبير الحجم يحتاج إلى مليون صمام
وبعدها تم اكتشاف الترانزستور والدارات التكاملية
حيث تم تصنيع الحاسب الشخصي الذي أمامكم وفي المستقبل القريب سوف يكون حجمه أصغر وأصغر إلى أن يصبح بحجم باكية الدخان
هذا بالنسبة للحجم أما بالنسبة للسرعة في المعالجة
فسوف تكون هائلة جداً مما سيؤدي إلى تضاعف كميات المعلومات المعالجة بسرعة هائلة والتي تشبه المتوالية الهندسية في الرياضيات.
الأمر الذي يمكن اعتباره ثورة في مجال المعلوماتية
غيّرت طرق الحصول على المعلومات وتخزينها ونقلها
من جهاز إلى آخر عبر خط الهاتف تحت مسمى الشبكة العنكبوتية أو شبكة الإنترنيت وظهرت بنوك المعلومات التي يستطيع من خلالها أي شخص الحصول على المعلومة التي يحتاجها مجاناً.
فالطبيب يستطيع الدخول إلى المواقع الطبية للاطلاع على كل ما هو جديد في مجال الطب والأدوية والأجهزة الطبية.
والطالب يستطيع الدخول إلى هذه المواقع وتشكيل مجموعات مع طلاب المجتمعات الأخرى في مجال الرياضيات والعلوم الأخرى
ويستطيع كل منا أن يتواصل مع أي شخص عبر هذه الشبكة بشكل صوت وصورة لتقديم التعازي أو التهنئات
أو المشاركة في حفلة أو ندوة.
وباختصار سيتحول العالم إلى قرية صغيرة يستطيع أهلها التواصل مع بعضهم بكل سهولة ويسر
ومرت سنين طويلة وأصيب خلف بوعكة صحية وغيبوبة دخل على أثرها المشفى.
وبعد عدة ساعات استيقظ خلف من غيبوبته والى الدكتور دكران يقف بجانبه ويهتم به عرفاناً بالجميل الذي قدمه له ولبلدته
فبادره بالسؤال مازحاً بالعامية:
وين الوعد والمستقبل المشرق الذي وعدتنا به يا أستاذ خلف
فرد عليه خلف بعد أن استعاد عافيته قائلاً:
دائماً كنت أدعو الله أن يمدني بالصحة والعافية حتى أعيش هذا المستقبل المشرق الذي وعدونا به
مدرسينا في الجامعة وفي الدورة التدريبية في الوزارة
لكن بكل أسف لقد كُتب على هذه الأمة ألا تستخدم هذه التقنية الحديثة إلا في المجال السلبي وبدلاً أن تكون نعمة أصبحت نقمة عندما استغلها الغرب لتدمير هذه الأمة والإساءة إلى مبادئها وقيمها وإثارة النعرات الطائفية بين أبنائها من خلال الفتاوى المسيسة والملفقة
وتدمير مستقبل الأجيال
هذه التقنية الفضائية يا دكتور سلاح ذو حدين دخلت مجتمعنا دون استئذان ودون أن نكون مهيئين للتعامل مها وهذا ما جعلها السبب الرئيس لتدمير الأجيال
لذا نجد الكثير من الطلبة أهملوا دراستهم نتيحه اهتمامهم بالألعاب والتسالي والمباريات والمسابقات وغيرها وهذا الإهمال يتضاعف أكثر عند الغالبية منهم نتيحه المشاكل العائلية وتفكك الاسر بسبب انشغال الاب او الام او الاثنين معاً بالنت والصداقات الوهمية على حساب راحة الاسرة ومستقبلها ففُقِدت الثقة بين الزوجين وتحولت حياتهم الى جحيم من المشاكل والمشاحنات والمشاجرات بسبب كثرة المواقع الإباحية الجنسية والذي استطاع من خلالها الكثير من الأزواج الاطلاع على مداعبات وحركات ومغريات كان يجهلها ولا يستطيع أن يطلبها أحدهما من الآخر بسبب العادات والتقاليد أو التزمت الديني والخوف من الفضيحة.
مما يدفع البعض منهم للبحث عنها خارج عش الزوجية
مما جعل الزوج يعيش بواد والزوجة بواد آخر
والأطفال يتيهون في صحراء فقدوا فيها البوصلة التي توجههم وترشدهم إلى الطريق الصحيح
لدرجة أن كل زوج من هؤلاء الأزواج تنطبق عليه وعلي زوجته قول الشاعر ابن زيدون:
أَضحى اَلتَّنَائِي بَديلاً مِن تَدانينا
وَنابَ عَن طيبِ لُقيانا تُجَافِينَا
أَلّا وَقَد حانَ صُبحُ البَينِ صَبَّحَنا
حِين فَقامَ بِنا لِلْحِينِ ناعينا
انتهت
بقلم: مرشد سعيد الأحمد
ملاحظة هامة:
أعزائي الأصدقاء والمتابعين لمنشوراتي اعتذر منكم
عن التأخر في النشر بسبب انشغالي بالامتحانات العامة
إضافة إلى ضغط العمل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق