على ضفاف العمر
بقلمي أنور مغنية
هناك على ضفاف العمر
تتَّكيءُ الحياة ...
وتبني بيتاً
بغرفةِ نومٍ وشرفة...
كأنما تريدُ أن تُنجبَ صغيراً
من هذا الدهرِ
فيكبرُ وتسرِّح شعره
للذهاب إلى المدرسة
ويعود مساءً للنوم
فتحكي على مسامعه
قصصَ ألف ليلة وليلة....
تُريده أن يكبر أمام عينيها
لتركض وتلعب معه
وتبني حوله جدارا من وردٍ
حدود المدى..
وتأتي نوارسُ البحر
تحملُ ملحَه...
تريده أن يكبرَ
لتمسحَ عنه شيبَ الأيام
وتُمسكُ يده...
وأن تجعل هذا الزمان
نديّاً طريّاً وتحرصُ
على أنَّ الوردَ
لن يجرحَ خدَّه
في الزمن المعتم
كالليالي البريئة في كيانها
تأتي بكلامٍ على قياسها
والزمان لا يزال يمارسُ طيشه...
ويكمن لها في الزوايا ويمدُّ إليها يده
لكنه يركضُ أمامها نحو البحر
شقيّاً عارياً من ثوبه
يلاحقُ الصبايا اللواتي
اختصرن ثيابهنَّ على ضفاف العتم
وتعروا من أيامهنَّ وملابسهنَّ
وتوغَّلنَ في الذكريات
يمسحنَ كلَّ مخاسنهنَّ مخافةً عليه...
كانت تخرجُ من وهمٍ
لتدخلَ في وهمٍ أكبر
كانت تحلمُ وتطيرُ ما بين الحلم والحلم
تطيرُ كحمامة ما بين الغيمة والغيمة
تغيب في غيمةٍ لتظهرَ من خلفِ أخرى
وكان لحضورها وقعٌ مرتدٌّ كالذاكرة
كالأيام التي أزَفَت
كالنوارس التي بقيت
تعاكسُ الهواء
وتلعبُ مع الريح لعبة المثابرة...
خرجت تحمل ثيابه
ركضت خلف الليل
تريدُ أن تسترَ عريه
وأن تُعيد للذاكرة ملابسها
لكنها خافت دخول العتم لعلها
لن تعرف طريق الخروج ثانية ..
هناك على ضفاف العمر ...
والليالي القديمة
والقمر الذي أمعن في المشيب
كانت تخاف أن تبقى عارية
فالعراة يثيرون قلق النوارس
وشهوة ملح البحر
ترَكَت تعباً وسكوناً
يثيران كلَّ الغرائز المسكونة في جسدها
ونثَرَت ملحَ البحر عسى بملحه
تُذيبُ النسيان عن الذاكرة....
وتلغي صمت الليل
فتعيدُ للدهر البهجة ....
تحاولُ الأيام جاهدة معاكستها
إلاَّ الكأس التي لا تزال في يدها
تشاركها ما تبقى من دموع البحر
وملح عينيها...
هي تحتاج الملح من أجل الصفح
ترفعُ الكأس بيدٍ
وبالأخرى تمسحُ الشيب عن جبين الليل
فكم من الليالي والسنين
تنتظرُ هذه الكأس
وأي؟ حبّ لا تزالُ آثاره حاضرة...
والليلُ سارقٌ ، والعمر عارٍ...
يأتي مغتصباً لكلِّ الكؤوس
حتى الهدايا ... حتى النوايا...
وتتذكر انها ستبني
زورقاً من وردٍ
تحملُ فيه ذكرياتها وتُبحرُ نحو المجرَّات
لتشاركهُ صمته....
أنور مغنية 10 06 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق