حكاية مع المطر
_____________
لم أراه على هذه الحالة منذ زمن ..منذ أن توفي الشيخ عمر رفيق عمره كما كان يصفه .
كانت الساعة حوالي السابعة صباحا ..ولا شئ ينذر بقدوم العاصفة .بضع سحابات تجمعن في أفق السماء .يحاولن جاهدات أن يغطين قرص الشمس .إلا أن الشمس أرسلت شعاعا فضي سرعان ما بدأ ينتشر شيئا فشيئا .حتى أنارت الكون بهالة من الفرح .كان يجلس على حاشية الفسكية. حين رآني تظاهر بعدم المبالاة. رمى بعقب السيجار وأستطلع الأفق. كأنه يطلب أحد رفاقه القدماء .الذين رافقوه في رحلة البحث عن الماء .جل سكان القرى كانت حياتهم مرتبطة بشكل كبير مع هطول المطر ..بل أن الحدث نفسه صار معلما لسرد الحكايا .الذين ينوون الزواج يعقدون آمالهم على المطر .والذين يعتزمون زيارة مكة المقدسة ينتظرون المطر .حتى أن والدي قال لي ذات عام وأنا أصر على إرتداء بدلة جديدة في العيد ..إبتسم وهو ينظر حوله ثم قال ..عليك أن تدعو الله أن تفتح السماء أبوابها بماء منهمر. على طريقة إمام الجمعة ..لم يقنعن أبدا لكنني أجد ملاذ آخر ألجأ إليه بعد هطول المطر .لم أفكر في الجوع الذي يخشاه والدي ..لم أفكر في شؤون الناس التي وقعت بين السماء والأرض. فكرت فقط كيف يمكنني أن أصعد التل. وأقف إلى الغدير الكبير .الذي تتركه العاصفة خلفها ..كي يمكنني أن أرى وجهي في أبهى صورة .وحين خالني أن ملامحي تغيرت وبدأت أكبر رغم عناد إبن شيخ القبيلة .أرمي بالحصى لأرى تلاشي ملامحي وهي تندثر عبر حلقات تتموج خلف بعضها .إلى أن تقذف بها وتتكسر بين النتوءات .فيبدو السلك الأبيض الذي أحدثته فقاعات ضامرة لرذاذ السيل ..وكم وددت أن تصحبني خديجة وتقف معي على ذات الغدير لتعرف هل أبدو جديرا بها .وتسعد حين ترافقني إلى المروج ...
كان هذا همي العظيم لكن والدي له هم آخر ..هم مرتبط بالأرض والأرض تطلب الماء والماء تجود به السماء .لذا هو الأن في غاية القلق ..حين سألت أمي عما هو عليه ..قالت ..مواسم هذا العام لن تكون جيدة ..المطر تأخر قليلا ..ربما نلجأ للهجرة نحو الشمال بحثا عن السائل الأسود ..
بعد لحظات سمعت أزيز سيارة تشق الوعور. .حين تناهت إلى سمعه مد قامته ومشى خطوتين إلى الإمام ..ثم واصل المسير بخطوات أسرع ثم أسرع ..ثم إلتقى مع السيارة عند درب الجبانة .ترجل السائق. رأيتهم يتصافحان. ثم عاد إلى البيت ..حين سألته أمي قالت ..غمرت السيول وادي تارغلات .غدا نقصد الشطبان لنبذر قبل أن تجف الأرض. ..
_______________
على غالب الترهوني
بقلمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق