الأربعاء، 2 يونيو 2021

كتب القصة: عبده داود

 حفيدات زنوبيا

قصة قصيرة

حزيران 2021

ياسمين تخرجت من كلية السياسة والاقتصاد في جامعة دمشق بتفوق، ارسلتها الجامعة للحصول على شهادة دكتوراه دولية...حتى تعود أستاذة في الجامعات السورية الرسمية. 

أعجبت ياسمين بالمناهج، وكتب السياسة النظرية، التي تهدف لتأمين حقوق الانسان، وضمان حريات الفرد، وخدمة الوطن والمواطن، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد بجميع اطيافه وألوانه.

اعجبت  ياسمين كثيرا بالتاريخ الفرنسي وقصص المقصلة الفرنسية التي قطعت رؤوس المفسدين سارقي الشعب، ومال الدولة من الضباط والطبقة الحاكمة و حاشية الملك وغيرهم...

اختارت ياسمين اطروحتها تحت عنوان توظيف السياسة في خدمة المواطن والمجتمع.

خصصت الجامعة  إلى ياسمين استاذاً يشرف على متابعة دراستها، يدعى الدكتور لورانس، شاب خلوق، وسيم، وأعزب، وهو من المعارضين  بصمت لسياسة بلاده...

 قال لها: من أهم وظائف السياسة، زيادة الموارد الإنتاجية كافة، لترفع سوية كافة الخدمات المجتمعية مثل التعليم، والصحة، والمواصلات، والزراعة، والطاقة، وغيرها، وبالتالي السياسة وظائفها مقدسة، غايتها  رفع شأن الوطن والمواطن...

أعجبت  ياسمين بالمناهج وقالت  بالفعل دراسات في غاية الأهمية...

تعمقت ياسمين بالدراسة وكانت تقارن بين النظرية، المدونة في الكتب، وبين الواقع الجاري في الميدان العالمي...

وجدت الحال مريب، أغلب القادة السياسيين في العالم هم موظفون عند قادة أكبر منهم وغاية تلك الزعامات الكبيرة تتلخص بوضع اليد على ممتلكات  وخيرات العالم وتركيع شعوبها...

كانت ياسمين تعاين الكذبة الكبيرة الجارية، تتألم وتستاء... 

الأستاذ لورانس أعجب بذكاء ياسمين، وياسمين أعجبها لورانس لكن كلاهما أخفيا مشاعرهما عن بعضهما البعض. هي لا تريد الارتباط بعلاقة عاطفية لأنها مصممة العودة إلى بلدها وخدمة بلدها..

لورانس كان يدرك ذاك الاستغراب الذي يدور في خلد طالبته، وكان يقول لها: إذا أردت الحصول على شهادة الدكتوراه، أنت مجبرة على قول الذي هم يريدونك أن تقوليه، ويجب أن تتناسي الواقع الدائر بالعالم، ويقول ايضاً: أنا لا أقدر أن أبوح بما يدور بخلدي، لأنني سأخسر وظيفتي...وربما يسجنونني في سجن لا أخرج منه...

كانت الأيام تمر وياسمين تكتب، وتقارن، وتزداد حيرة وارتباكاً واشمئزازاً... 

تعرفت على أصدقاء رائعين، في الجامعة، وخارج الجامعة، وكانت تستغرب لماذا اصدقاؤها لا يحبون التكلم في الشؤون السياسية...لكنها فهمت لاحقاَ، بأن السياسيين القادة في بلادهم، هم مجرد دمى مشدودة بحبال، كالمستخدمة بمسرح العرائس...  شياطين يحركون تلك الدمى من خلف الكواليس...

دمى مجرد خدم جاهزة، ومجهزة، لتنفيذ إملاءات شريرة تنتظر أوامر سادتهم...

مرت السنوات وانهت ياسمين أطروحة تخرجها وحددت اللجنة الفاحصة موعداً لمناقشة مشروع تخرجها...

ياسمين دعت اصدقائها لحضور مناقشة أطروحتها.

وقفت هي خلف المنصة الخاصة، مقابل اللجنة مرتدية اللباس الرسمي، حسب البروتكولات الجامعية المتبعة، دلالة النزاهة والتعفف...

بدأت مناقشة الأطروحة، قال رئيس اللجنة بتعال: اطروحتك مستوفية للشروط من حيث الشكل. فلنبدأ مناقشة المضمون...

قالت ياسمين: سيدي حتى لا تخسرون من وقتكم الثمين، اسمحوا لي القول: هذه اطروحتي التي تزيد عن خمسمئة صفحة كتبتها يوماً بعد يوم. وحرفاً بعد حرف، بمداد من جراحي ودموعي...

أرجوكم دعوني أرتجل اطروحتي بشفافية كما أعاينها حسب الواقع، في الميدان.

عندما رغبت دراسة هذا الاختصاص، كانت قناعتي بأن السياسة خلقت لتكون الداعم القوي الذي يحمي الانسان، ويحقق العدالة لبني البشر جميعاً... لكن الذي أراه  في هذا السياق، أطروحتي هذه مجرد كذبة كبيرة، مجرد كلمات مزيفة، وبالتالي هي مجرد أوراق تليق بها حاوية القمامة، او موقد التنور...

السياسة  التي تمارس اليوم، بعيدة عن الحق، وبعيدة عن العدالة...

أغلب قادة العالم اليوم، كانوا أو لا يزالون زعماء مافيات، عصابات قتل، وتجار تبيض أموال، ومتاجرة بالمخدرات والممنوعات. وأنتم أغلبكم موظفون عندهم تنفذون إملاءاتهم الدونية، أولئك المنادون بالعولمة الكاذبة، هم ذاتهم صناع أسلحة كسر العظم، لتحقيق مآربهم الشجعة، اخضاع العالم تحت سيطرتهم، وبالتالي هم يتفردون في نهب شعوب الأرض...

وتابعت تقول: ماذا تصنع دولكم في بلادنا، ارسلتم لنا الإرهابيين، يذبحون شعبنا كما تذبح النعاج، ويهدمون دورنا ودور عباداتنا، يشردون أهلنا، يسرقون آثارنا وحضارتنا، ويغلقون مدارسنا، ويسرقون خيرات بلادنا...

بينما أنتم فتحتم أبوابكم  التي كانت محصنة. حتى تستقبلوا أبناء بلدي المشردين... مدعين خدمة الإنسانية كذباً ودجلاً...

يا سادة أنتم جزء من المؤامرة الكبيرة على بلادنا، غايتكم تهجير شعبنا خارج وطنهم، واحضار المرتزقة بدلاً عنا، لينهبوا  لكم ما تبقى عندنا...وهذا ما تفعلونه بأغلب دول العالم المسالمة والفقيرة والتي لا  تسمحون لها بالتسلح،  وبالتالي هي لا تملك  من الأسلحة سوى الحجارة...

سورية الآن تحارب الإرهاب في حرب استنزاف حقيرة، فرضتموها أنتم علينا، المصيبة هي: عندما يستشهد واحد منا، يموت جزء من جسدنا لا يعوض بمال الدنيا... وعندما يموت واحد منهم، تستحضرون من أزقة العالم  بدلاً عنه عشرات... والغريب انكم تتبجحون بوسائل اعلامكم بانكم تحاربون الإرهاب، بينما أنتم الإرهاب بعينه.

أنتم لستم سوى مجرد خدم لأسيادكم، اختاروكم لتكونوا أساتذة جامعات تعلمون طلابكم ما يفرضه عليكم أسيادكم من خلف الكواليس...

جن جنون رئيس اللجنة، وبات يصرخ خذوا هذه المعتوهة إلى السجن...هذه المجنونة لا تستحق، أنت مطرودة واطروحتك مرفوضة... اخرجوها من القاعة فوراً...

وقف الجميع يصفقون ويهتفون عاشت الحرية...عاش الفكر الحر. عاشت ياسمين، عاشت الدكتورة ياسمين...

قالت ياسمين: أنتم ترفضون مطالعتي، وأنا أرفض أن أنال شهادة الدكتوراه من ناس يخدعون ذاتهم، ويخدعون طلابهم، ويخدعون مجتمعهم، ويخدعون اعلامهم، وكل شيء بحياتكم هو كذب وخداع ونفاق...

صار هياج في المدرج، الجميع يصرخون ياسمين تقول الحقيقة. وقف جميع الموجودين يصفقون بشدة ويقولون: عاشت الدكتورة ياسمين...عاشت الحرية...عاشت الكلمة الحرة الشريفة...

قابل التصفيق الحاد من الجميع نهوض الأستاذ لورانس، ووقوف اثنان من اللجنة معه، وصاروا يصفقون مع الحضور، ويهتفون عاشت الحرية، عاشت ياسمين، ياسمين  تستحق شهادة الدكتوراه... ونحن كوننا أعضاء من اللجنة نوافق على منحها لقب دكتوره في السياسة الدولية...

هذا الموقف الشجاع غير المسبوق، أجبر مدير اللجنة على منح ياسمين لقب دكتوره في السياسة الدولية...

رجعت الدكتورة ياسمين إلى سورية  مرفوعة الجبين، لتعطي دروساً بالجامعة، ساعية إلى غرس الفكر السياسي الصالح في عقول طلابها...

قال عنها الأستاذ لورانس متفاخراً، ياسمين علمتني بأن الانسان موقف نضالي، بطولي، وموقفها المشرف بحجم سورية الشامخة، وهي واحدة من حفيدات الملكة زنوبيا. ملكة تدمر العظيمة

كتب القصة: عبده داود

سورية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بين الجدرلن بقلم عمر طه اسماعيل

 بين الجدار وذا الجدار حكاية  وحكاية وخواطر ورواية وتدور من حولي الحروف فأنتقي  بعض التي تجتاح قلبي جمرة وتحط في سطري القوافي كلما  زار الحن...