الأحد، 2 مايو 2021

أيمن فوزي

 حزام ناسف ...قصة قصيرة


محطة القطار مكتظة بالركاب و من ينتظرون أحد القادمين و الباعة الجائلين على أرصفة المحطة فهو وقت الذروة من إنصراف الموظفين العائدين لمنازلهم و كذلك أصحاب المصالح الذي إنتهى يومهم و هم في سبيل عودتهم لبلادهم  باختلاف أشكالهم وهيئاتهم فالأصوات تتشابك و تتداخل حتي تحسبها طنين الذباب.

كل مشغول بهمه فمنهم من يقف تبدو عليه علامات الإنتظار و آخرون يتبادلون أطراف الحديث و منهم الجالس و الواقف و من يستند بجسده المتعب على أحد جدران المحطة و كل القطارات بين قطار يصل و أخر يغادر و قطارات تنتظر ميعاد الرحيل دقائق من الضوضاء و الإطراق أحيانا عندما ينادون لميعاد القطار القادم وصولاً أو مغادرةً. 

فقط شاب نحيل يبرز من بين الجميع و إن كان ليس أطول الموجودين و لكنه  كثير التلفت يبدو عليه القلق و الارتباك يتتبع بعينيه دائما كل الواقفين  على المحطة ممسكاً بطنه بيده كأن السترة التي يلبسها ستسقط من عليه فهى بلا أذرة مفتوحة و لكنه يطبق جانب منها على الأخر بزراعيه .

كلما زاد الوقت زاد تلفته و إرتباكه و أخذ يتصبب عرقاً فيحاول أن يهديء من نفسه فيمسح عرقه بذراعه الأيمن و يلتفت بسرعة عند سماع بائع " الحاجة الساعة " يمر بجانبه ...

: "حاجه ساقعععععععععه"

يمسكه بسرعة من زراعه فينظر إليه بسرعة واضعاً الجردل من يده :    حاجه سقاعة يا أستاذ؟ 

يبتلع نفسه و يشير إلى زجاجة " السيفن أب" 

فيتناولها البائع و يعطيها له بعد فتحها.........:

إتفضل يا أستاذ  ٢ جنيه و و٧٥ قرش لو سمحت.

يشربها على مرة واحدة كأنه قد نال منه العطش و مازال مطبقاً بيده اليسرى علي سترته ليناوله الزجاجة الفارغة  وويعطيه عشرة جنيهات  كانت في جيبه الأيمن.....:

" مفيش فكه يا أستاذ؟؟؟"

يحاول مد يده في جيب السترة الداخلي ليخرج ٣ جنيهات قد وضعها في جيبه هذا الصباح بقية أجرة التاكسي الذي أحضره للمحطة و لكن مازال البائع واقفاً أمامه ينظر ماذا يفعل و لم لا يفتح سترته ليخرج النقود بطريقة طبيعية

فتنفرج السترة عن وسطة و هو يحاول إلتقاط النقود من جيب سترته الداخلية.

يلتقط البائع "جردل الحاجة الساقعة " و ينطلق من أمامه مبتعداً عنه حتى دون أن يأخذ منه الثلاثة جنيهات و كأنه رأى شيئاً مرعباً....: 

"حزام ناسف... حزام ناسف ....حولين وسطه"


يرتبك الناس و يجرون في إتجاهات مختلفة حتى كاد البعض ليدوس بعضهم الأخر و تعلو صيحات التحذير و صراخ النساء و الجميع يجري إلا حيث لا يعلم يدافعون كقطعان الماشية  و الناس يلتفتون مسرعين في خطاهم حتى لا  يعلمون مصدر التحذير و هو مازال فى مكانه قابضاً على سترته بيده و الأخرى لم ترتد بعد لمكانه ممتدة  ليعطي البائع ثمن " السفن أب"


يهم بالركض هو الآخر فهو يحاول  الحركة  و الركض كالآخرين قابضاً بكلها يديه على بطنه إلا أنه بجد نفسه طريح الأرض فقد قفز عليه رجل مقيداً ذراعيه و هو يكد يغمى عليه و يتغير لون وجههه بالصفار و كأن ليس به نقط دم واحدة يأخذ نفسه بصعوبة و كأنه يختنق ببطأ.....:

 "متفجرش الحزام حرام عليك؟؟؟؟"

و هو يحاول أن يستجمع نفسه ليتساءل عم يتكلمون  أو ماذا يحدث يجد نفسه محاط ببعض رجال البوليس و المخبرين السريين،  يقلب نظره على الأرصفة المجاورة ليرى الناس يركضون خارج المحطة و البعض ملقى على الأرض ينظر إليه و قد ملأه الرعب قسمات وجوههم جميل و كأنهم ينتظرون الموت.


ليقطع هذا الصمت وسط الهروب و الصراخ و الجري في كل الاتجاهات صوت الشاب .........:

حزام أيه ؟؟؟؟؟ حزام ابه؟؟

ينهض الرجل من فوقه ليقف ببطأ و ألم يظهر على وجهه و يفتح سترته في غضب و مازال الألم يعتصره ليتكشف عن جهاز عبارة قلب صناعي يحمله المريض معه في أي مكان و أي وقت فلا يستطيع أن يحيا بدون يقوم بعمل القلب في الحفاظ على الخياة.


تتساقط دموعه و كل رجال الأمن حوله ينظرون إلى بعضهم البعض و مازال الناس يتدافعون إلى خارج المحطة للنجاة من الحزام الناسف ليخلفوا واراءهم عشرات الجرحى قد داسوهم تحت الأقدام و جهاز اللاسلكي .......: إفادة عن الموقف حالظابط حسين؟؟؟

يتلفت الضابط إلي زملائه و إلى الشاب و يجيب على الفور .....: من عدمه يا أفندي،  بلاغ كاذب.


الشاب لا يكاد تحمله ساقاه و يكاد يسقط إلا و يحمله رجل من رجال الشرطة و يجلسه على أحد مقاعد الإنتظار لتشق صفارة القطار القادم إلي رصيف الإنتظار يستند على إثنين حتى يقعداه في مكانه بعربة القطار و الأسف و الإعتذار لا ينقطعان و هو يردد......:               

"حزام ناسف أيه يا باشا دا قلبي يا ناس "

و مازال ثمن " الحاجة الساقعة " في قبضة يده 

أخيراً صافرة القطار معلنا المغادرة و الحياة تعود الى طبيعتها و كل الركاب على الأرصفة ينظرون إلى القطار و كأن الحزام سينفجر فى أي وقت و الضابط حسين ملوحاً له و القطار يغادر مسرعا من المحطة  و هو يلقى  نظرة أخيرة على الرصيف و يتنفس بعمق  و يمسح وجهه بكفيه و كأنه كان كابوساً مرعباً:           

"السلم عليكم يا باشا"  

" مع السلامه يا أستاذ خلف و أسفين جدا"


أيمن فوزي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

طفلة الشوق

 ( طفلة الشوق )) ومن النساء أنت  طفلة تخطفني إلى عالمها تتقلب ما بين صدري وقلبي ترسم بيديها قبلة فوق جسدي ونار الحب تحرقني تغازلني تعانقني  ...