نوايانا
قصة قصيرة
أيار 2021
كانت الحرب دائرة في سورية بين الجيش السوري وبين تلك القوى المأجورة التي جاءت تغزونا، لتنهب ثروات بلادنا من النفط والغاز وحتى أراضينا وآثارنا، جيوش مأجورة خدعوها بأنها تحارب من أجل الجهاد في سبيل الله، دخلت بلادنا تحت مسمى الربيع العربي... وصدق بعضنا الكذبة... وسرعان ما سقط قناعهم وبانت انياب قادتهم...
دارت معارك وغصت المستشفيات بالجرحى العسكريين وحتى السكان الآمنين الذين كانت تهطل عليهم القذائف بشكل جنوني وعشوائي...
أحلام إعلامية تعمل في إحدى المحطات الفضائية السورية... يساعدها فريق عمل من مصورين وفنيين... كانوا يجرون مقابلات في مستشفيات دمشق مع جرحى الجيش العربي السوري الذين تم نقلهم من قلب المعارك في تلك الحرب القذرة... إلى المشافي في دمشق...
ويقولون لنا نحن نحمل لكم النوايا الحسنة لتحسين معيشتكم... وهم ذاتهم، أخذوا يذبحون أبناء شعبنا كما تذبح النعاج، غايتهم تشريد أهلنا من منازلهم، حتى يتركون وطنهم هاربين من الموت، والأفضل يموتون غرقاً في البحار...
عادل طبيب جراح يعمل في إحدى مستشفيات دمشق. كان يركض مع الممرضات لنقل الجرحى إلى غرف العمليات...
عندما خرج ، قالت له أحلام: أنا مسئولة إعلامية في الفضائية السورية، واجبنا أن نعاين نشاط اطباءنا ونشكرهم على العمل الفذ الذي يقومون به...وننقل الصورة إلى شعبنا...
كلام الإعلامية أحلام الهادئ جعل الطبيب الجراح يسمح لها ببعض الوقت لإجراء حوار معه حول الوضع السوري الراهن...
تكلم الدكتور عادل كثيرا عن النوايا الخبيثة التي جاء بها قادة الربيع العربي.
تشكرت أحلام الدكتور وقالت: اليوم الساعة السابعة يمكنك أن ترى الفلم الذي صورناه عنكم...
تكررت زيارة أحلام إلى المستشفى، وتكررت لقاءات الدكتور عادل مع الإعلامية أحلام...
آنذاك كانت الغوطة الشرقية تتحرر، وقد اكتشف الجيش فيها أنفاقا وطرقات، ومعامل أسلحة، ومستشفيات تحت ارضها، بغية الانقضاض على العاصمة...
فشل الأعداء، وتم هزمهم وكبرت الابتهالات والتشكرات إلى رب العالمين وإلى الجيش العربي السوري وإلى الذين ساعدونا بالنصر، وبدأ الفرح والطمأنينة يعودان تدريجياً إلى قلوب الناس...
طلبت أحلام من الدكتور عادل أن تستقبله في برنامج تلفزيوني على الهواء...بعدها نمت الصداقة بين الشاب الطبيب الجراح، والإعلامية الشابة الذكية... التي تشتعل بالحماس الوطني الملتهب، والنظرة الثاقبة.
اعجبا ببعضهما البعض، وتحول الاعجاب إلى حب كبير، تدارساه في جامعة القلب والعقل، وفي حفل متواضع، ضم الأهل وبعض الأصدقاء، تزوجا...
ليس عند الدكتور أصدقاء عديدين، وليس عند أحلام صديقات عديدات...ما عدا صديقة واحدة حميمة، منذ أيام الطفولة تدعى ايمان... وهي الوحيدة التي كانت تزور أحلام في منزلها، ومن الطبيعي أضحت ايمان صديقة الدكتور زوج صديقتها.
وكانت أحلام تدعو صديقتها في أغلب المناسبات، والدكتور كان سعيدا من هذه الصديقة اللطيفة التي تسعد زوجته بحضورها...
حياة الدكتور وزوجته سارت هادئة جميلة مستقرة رغم مضايقات العمل واوقاته غير المنتظمة بالنسبة لهما.
تلك الفترة كانت أحلام تخرج كثيرا إلى الشوارع وتجري لقاءات عشوائية مع الناس حول المعاناة التي خلفها جنود المرتزقة في دمشق وضواحيها... ويتم عرضها على الشاشات الفضائية.
لكن الذي حدث ذلك اليوم قلب المواقع، فبينما كانت الزوجة بمهمة تصوير خارج الاستديو في أحدى شوارع المدينة، فاجأتها رؤية أفقدتها صوابها...
كانت ايمان صديقتها، متأبطة بذراع الدكتور، ويسيران في ذاك الشارع وهما يضحكان. راقبتهما أحلام بعين كاميرا التلفزيون المقربة للصورة، وكانت تصورهما وهما يضحكان يبدوان سعيدين...
ثم دخل الزوج، والصديقة إلى مطعم فاخر بذاك الشارع...
صار الدم يغلي في عروق احلام. وقررت مهاجمتهما على الفور، لكنها تماسكت امام زملائها الذين كانوا معها في مهمة التصوير الرسمية.
رجعت الزوجة إلى المنزل منهارة الأعصاب، والدموع تسيل على وجنتيها، وجراح لا تندمل مدى العمر...
عندما عاد الزوج إلى المنزل في المساء، استغرب الذي رآه.
حقائب زوجته بجانب باب البيت. ورأى زوجته تنحب باكية، سأل الزوج زوجته باستغراب ماذا هناك؟ ماذا حدث؟ ما هذه الحقائب؟
انفجرت الزوجة بالبكاء، وأخذت تصرخ وتبكي ... أتخونانني. أنت الذي أحببته بلا حدود، وهي صديقة العمر...
كنت انتظر منك أن تحتفل بعيد ميلادي وأذ بك تخونني ومع من؟ مع صديقتي. أهذا ما تسميه الحب الكبير. يا للأسف يا دكتور، خسارة حبنا المقدس، أنت حطمته وكسرت كل ما هو جميل بيننا.
قال الدكتور: ما هذا الذي تقولين يا أحلام؟
قالت أحلام، كنت أنتظر منك ان تحتفل بعيد ميلادي لا أن تخونني، لكنكما حطمتما حياتي أنتما الاثنان...
قال الدكتور: ماذا تقولين يا أحلام؟ أنا لم أفهم قصدك ولم أفهم نواياك.
قامت الزوجة، ووضعت القرص الصلب الذي سجلته، تبدو فيه ايمان متأبطة بذراع الدكتور يضحكان، ودخلا سوية إلى ذاك المطعم...
صمت الدكتور ولم ينطق بحرف واحد... والسكوت هنا اعتراف بالذنب وهو يشاهد الاثبات المصور الذي يدينه متلبساً...
قال ايمان أرجوك طلقني وخذني إلى بيت أهلي...
وضع الزوج الحقائب في السيارة وركبت الزوجة بجانب زوجها، كان هو يقود بصمت، وهي تبكي وتجهش بالبكاء، والزوج لم ينطق بكلمة واحدة.
لكنه تقصد الوقوف امام ذاك المطعم سبب المشكلة، وقال ارجوك تعالي نشرب قدح قهوة معاً قبل أن ننفصل...
تمنعت هي كثيرا، قال هو التقينا وتحاببنا بنوايانا الحسنة، ولا يجب أن ننفصل بسبب نوايانا السيئة...
دخلا سوية. أتى صاحب المطعم اليهما مرحباً، وقال: أهلا بدكتورنا الغالي، أطمئن باتت أغلب التحضيرات جاهزة من أجل عيد ميلاد زوجتك غداً، الحقيقة الآنسة ايمان لا تزال هنا منذ أتت معك في الصباح، سأخبرها بأنكما هنا... هي تشرف على تزيين الصالة بنفسها، الحقيقة هي تعمل بنشاط وجدية وتقول للعمال أريده عيداً مميزاً لصديقتي غاليتي... جاءت ايمان تسلم على أصدقائها، غمرتها أحلام وقبلتها وتشكرتها كثيرا... وقالت بسرها (بعض الظن إثم).
عاد الدكتور وزوجته لبيتهما... وكم شعرت الزوجة بالندم، وكم لامت ذاتها...
اعتذرت الزوجة كفاية، قالت أتذكر حبيبي عندما دخل الغزاة بلادنا حاملين الراية التي اسموها راية الربيع العربي، لكنهم يخفون مقاصدهم الحقيقية، نواياهم كانت السم الزعاف لبلدنا.
اليوم كنت أنا بالعكس الذي شاهدته تصورته الراية السوداء، ونويت تحطيم رأس صديقتي، لكنني اكتشفت كم هي رائعة، وكم أنا حمقاء، وتصرفت كما يتصرف الجاهلون، لم أبحث خلف الحقيقية، واكتفيت بالظاهر...
كاتب القصة: عبده داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق