هوايات
ــــــــــ
ما تعودت الجلوس على الكراسي في المقاهي والأكل في المطاعم وتناول كوب شاي أو فنجان قهوة في الكفتريات ولا كتابة القصائد في هذا الجوّ المخنوق لأتعفن فوق المقاعد في سحب الدخان والثرثرات وأعد الكراسي وأرجلها والقاعدين عليها وعمرهم يذهب خلسة وهو يضحك عليهم.
كنت دائما أحب الأجواء المفتوحة على المدى التي تحلق فيها العصافير وتخترقها الأنهار وتسكنها الأشجار وبساطها المرج..كنت إذا جعت أنتظر رغيف التنور مع ما تيسر من مونة البيت وإذا جاشت بنفسي قصيدة بدون إرادة أمشي الدروب الريفية حتى أخيرا أصل النهر مع آخرها.. حتى التي أحببتها كنا إذا أردنا أن نشرب الشاي نشربها بأحضان الحقول ونحن نقطف المواسم مع الأهل وعلى أنغام الحساسين وأغاني القاطفات وأصوات المناجل ورقص الغصون والسنابل.. وكانت هوايتي في الصيف إذا سهرنا على البيادر ونمنا فوق التراب كنت أنتظر القمر بلهفة وأعدّ نجوم الليل تهدي لي الجنادب.. أنعس وانام ملء جفوني وكان يطيب لي النوم على التراب الناعم من مخلفات البيدر
وفي الشتاء يطيب لي الجلوس مع الكبار حول موقد الحطب في قبونا الطيني الدافيء نستمع إلى الأحاديث والحكايات وأعدّ الغيوم التي جاءت من البحر تحملها الرياح وكم حصة سهولنا منها.
في الرببع كان اهتمامي أين يزهر الشقيق والأقحوان وفي أي الأماكن وما عددها حتى تقول عن الربيع أنه رببع حقيقي وأبحث عن الزهور الغريبة الأخرى وألتقط لها صوراُ وأحفظ المكان الذي تبتسم فيه.. كم عدد البراعم على الغضون كم في أشجار اللوز من زهور.. كم عدد ونوع الطيور التي تزوررنا ومراقبة أسرابها المهاجرة وربما أخذت استراحة في روابينا لتكمل بعدها السفر واستمتع برقص الأغصان وتمايل الأوراد والسنابل.. كان يطيب لي صوت ذلك العندليب الذي يقصد كروم العنب أول تفتح أوراقها ويهزني من الأعماق صوت سقسقة مياه السواقي وهي ذاهبة لتروي الحقول.. ما أروع أن تشرب منها بيديك .. في الخريف كنت أراقب الأشجار وهي تتعرى من أوراقها تترنح مع الهواء حتى تصل الأرض حزينة منكسرة بعد اخضرار.. كيف تقفر الحقول من ناسها.. كل هذا عشته زمن الطفولة فأرجوك أخرجني يا صديقي من هذا المقهى أكاد أختنق وأرجوك مرة أخرى لا تعزمني وأترك الأمر علي إذا ضجرت من الحياة ..أخبرني فسأصطحبك إلى الأماكن التي تعلقت بها روحي فهناك ستنسى كل الدنيا وتعود وأنت تطير من الفرح وستشكرني وتطلب العودة مرات ومرات إن لم تطلب السكنى هناك للأبد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
د. عبدالله دناور 2/2/2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق