الجبل البعيد
الحلقة 15 والأخيرة
معاش كمال الذي كان يتقاضاه كمنحة دراسية من الجامعة، بات لا يكفيه الآن. بعدما أحضر امه إلى الدانمارك، لذلك ترك الجامعة وأخذ يبحث عن عمل، استأجر بيت كبير ثلاثة غرف نوم وغرفة معيشة. غرفة له وإلى زوجته، وغرفة للطفلة أبنتهما سوريا، وغرفة ثالثة لوالدته، وبعدها جاءت سعاد وفرضت ذاتها عليهم مما زاد الطين بلة.
أم كمال أفرحها وجود سعاد معها لأنها كسرت من حدة وحدتها وتتسلى مع ابنة اختها التي تحبها. واسكنتها معها في غرفتها. وقررت سعاد أن تنقل لجؤها الى الدانمارك لكن الحكومة الدانماركية رفضت قبول سعاد كلاجئة بحجة إنها من الحاصلين على حق اللجوء ببلد آخر، ولا يحق لللاجئ تغيير مكان لجوئه. لذلك كان على سعاد التنقل بين السويد والدانمارك حتى تتقاضى استحقاقاتها، التي كادت لا تكفيها أجور النقل من إستكهولم إلى كوبنهاجن. ناهيك عن مصاريفها الشخصية ولباسها وعطورها التي باتت تعتني بهما امام كمال الذي تحبه بجنون، وهو لا يلتفت إليها من الناحية العاطفية، لكنه كان صابرا على استقبالها محبة بوالدته التي كانت تستأنس بها...
صحيح نينا كانت مسرورة بوجود حماتها وسعاد في المنزل اللتان كانتا تعينانها على رعاية سوريا، عندما تخرج هي إلى العمل، لأن الاسرة أضحت بحاجة إلى مدخول إضافي لذلك أجلت نينا دراستها لنيل شهادة الدكتوراه، وتوظفت معلمة تاريخ في إحدى مدارس العاصمة الدانماركية...
أبو نينا أوجد لصهره كمال وظيفة معلم للطلاب اللغة الدانماركية لللاجئين العرب في أحد المعاهد الدانماركية في كوبنهاجن...
كانت سعاد تبالغ أحيانا بالتودد إلى كمال، أم كمال لم تكن سعيدة من تصرفات أبنة أختها، وكمال صار مستاء من سعاد ومن لباسها الفاضح، ونينا كانت صامته لا تدري ماذا تفعل...
تفاجأ كمال بمراسلة فادي الذي كان خطيب سعاد، بعدما علم بأن سعاد تسكن في بيت صديقه كمال، لذلك طلب من كمال أن يبحث له مسألة اللجوء إلى السويد، أو الدانمارك، لأنه يحب سعاد وينوي أن يتصالح معها ويتكللا ويعيشان سوية هناك.
الجميع أعجبهم الأمر، بينما سعاد بقيت صامتة، وفعلا شجعوا فادي للحضور إلى كوبنهاجن وسوف تعيش الاسرتان ويحي الصديقان صداقة العمر في المهجر من جديد...
لكن الذي حصل في سورية ولم يكن في الحسبان، طلبوا فادي للخدمة العسكرية الاحتياطية، ولا يزال فادي إلى اليوم في خدمة الوطن.
عندما قطع كمال الأمل في عودة صديقه فادي كان عليه أن يتخلص من سعاد التي باتت سبب تعاسة نينا، وخاصة بأن أبنته سوريا صارت تذهب للحضانة القريبة، توصلها جدتها وتعيدها عندما تعود أمها من العمل.
أحست سعاد بأن الجميع اضحوا مستائين من وجودها،
عندما حانت فرصة تواجد سعاد كمال بمفردهما في المنزل، سألته بغنج ألا تحبني يا كمال كما أنا أحبك؟
كمال أجابها بعصبية وعلى الفور، نحن يا سعاد لسنا لبعضنا، قدري غير قدرك، وأنا أحب زوجتي، ولن استبدلها بنساء العالم، أنصحك بأن تخلعي كمال من عقلك، وتجدين من يسعدك. أنت أختي وستبقين أختي، ولا أريدك أن تضيعي حياتك وتعيشين في الأوهام تنتظريني، أنا أحب زوجتي وأحب أبنتي لدرجة العبادة...
اجهشت سعاد بالبكاء وخرج كمال إلى عمله، وعندما عاد في المساء، قالوا له لقد رحلت سعاد وأخذت كامل أغراضها...
أبو نينا، فهم الذي حدث وقال إلى كمال كنت متصورا بأن هذا سيحدث، لأنني عرفت كم أنت محب ومخلص لعائلتك وبيتك،
الآن سعاد غادرت، وقلبها فارغاً من كمال، وسوف تبحث عن حب آخر جديد يملأ حياتها...
عادت السكينة للبيت، المشكلة أم كمال لليوم لا تعرف كلمة واحدة من تلك اللغة الصعبة. وهي تحادث سوريا باللغة العربية التي باتت سوريا تعرفها تماماً...
نجح كمال في تعليم اللغة الدانماركية لللاجئين العرب وغيرهم من الطلبة الأجانب وصار دخله عالياً واشترى منزلا واسعاً جميلاُ في كوبنهاجن بكفالة عمه، كما ساعده رهن دخل زوجته.
سوريا أصبحت اليوم في الصف الخامس وهي غاية في الجمال تتقن العربية والدانماركية والإنكليزية التي تتعلمها في المدرسة.
أم سعاد فرحتها الحقيقية هي سوريا صديقتها التي تتكلم معها باللغة العربية.
آخر أخبار سعاد أحبت شابا سورياً من الحسكة، أحبته فعلاُ، لاجئ مثلها، واليوم جاءت برفقته حتى تعزم العائلة خالتها وأبن خالتها وزوجته، وأهل نينا إلى حفلة أكيلهما، وكانا مقرران الذهاب شهر عسل إلى سورية لزيارة الأهل لكن مخاوفهما من الكورونا كوفيد 19 أحالت دون ذلك.
كمال ونينا قررا متابعة دراستهما لنيل شهادة الدكتوراه بعد أن ينهيا أقساط البيت للمصرف.
كاتب القصة: عبده داود
الى اللقاء بقصص جديدة
يرجى من الذين يرغبون قراءة الحلقات السابقة يجدونها (مجموعة رواياتي).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق