السبت، 3 يونيو 2023

(في عتمة الحافلة )٠٠تيسيرالمغاصبه٠٠٠

 (في عتمة الحافلة )

   سلسلة قصصية

  "الموسم الرابع"

          ٢٠٢٣

--------------------------------------------------------------------

      القصة الثانية 

         "سمراء"

            -٢-


استمر تجاذب أطراف الحديث بيني وبين ليلى ،وفي كل حين تضحك ضحكتها المرتفعة؛ بالرغم من أنها عادت بي إلى الماضي عدة عقود إلا أني في حقيقة الأمر لم أشعر بنفس الشعور الذي كنت عليه في ذلك الزمن ،أو لنقل أن حبي لها قد إنتهى لمجرد أن بلغت سن المراهقة ومغادرتها مع أسرتها وزواجها هناك.

ربما يكون تعلقي السابق بها هو شيء طبيعي كطفلة مرحة ،ظريفة ،يحبها شاب خجول ؛ فقط ،بينما أنا اليوم أحاول الإبتعاد قدر الإمكان عن الأطفال وازعاجهم؛تظهر هي في حياتي من جديد.

ياترى هل كنت محقا في رغبتي بالزواج منها عندما تكبر ..أم أني كنت معتقدا حينها أن مشاعري لن تتغير نحوها عندما تكبر ،

وهل ليلى الطفلة ستكون هي ذاتها ليلى المرأة ،

لكن في كل الأحوال هي كانت  ستكبر ويتغير كل شيء.

ابتسمت ابتسامة ذات مغزى وهي تخرج من حقيبتها خاتم فالصو لامع وقالت بغنج مصطنع:


-هللا وضعت الخاتم في أصبعي ياعزيزي؟


تذكرت شعوري  عندما طلبت مني  ذلك في الماضي ..حينها خفق قلبي بشدة وأنا أضع الخاتم في أصبعها وقبلت يدها ؛ لكني الأن عندما وضعت الخاتم في أصبعها؛ لم أقبل يدها ..لقد تغيرت مشاعري..تغيرت تماما.

لكنها رفعت يدها ووضعتها على فمي كي أقبلها فقلت لها:


-الا زلت تذكرين ؟


قبلت يدها الصغيرة الباردة قبلة خريفية بشفاه جافة ماكان منها إلا أن أمسكت يدي واحتضنتها فأنتثر شعرها الأسود الناعم فوق يدي فكانت لمسته أيضا مختلفة ،ياترى هل تساقطت جميع أوراقي ..حقا أن شعورنا عندما نعود إلى الماضي بذاكرتنا يختلف عن الماضي عندما يعود  هو إلينا بطريقة عجيبة بعد أن يكون قد غزانا خريف كل شيء ..خريف العمر..خريف المشاعر..خريف الأحاسيس..خريف الرغبة بأي شيء كنا نرغب به.

ماأجمل عمر الشباب والمراهقة في حينها أيها المشيب المباغت.

حقا لم أشعر بطول سفري ولا  بساعات نومي المتقطع،ولا حتى بلحظات قيلولتي اللذيذة،

لكن ياليلى لو إختارت الأقدار غير ذلك؛لربما نتزوج وأن نعش معا ..ربما.

بينما كانت ليلى محتضنة يدي ورأسها في حجري إنحنيت عليها وقبلت  رأسها وشميت رائحة شعرها وأنا في الحقيقة أقبل وأشم رائحة ذكرياتي، لكني لم أشم رائحة شعرها السابقة ..الطبيعية ؛ لقد إختلفت تلك الرائحة وكانت عوضا عنها رائحة الشامبو العطرية.

ماأن رفعت رأسي حتى رأيت أمامي أمرأة سمراء عيناها كعيني ليلى ..كانت ترتدي العباءة وغطاء الرأس ،أخذت ترمقني للحظات بابتسامة لم أجد لها أي معنى ثم قالت :

-اسعدت صباحا يايزن ؟


-أسعد الله صباحك سيدتي.


-هل عرفتني يايزن؟


قلت في نفسي بدهشة:

"ياترى من هذه أيضا!"

رديت:


-عفوا ..أنا لاأذكر أني رأيتك قبل ذلك سيدتي ؟


كانت ليلى تحاول أن تكتم صوت ضحكتها ولهذا السبب كانت ترتعش بفعل الضحكات المكتومة ،قالت المرأة بخيبة أمل:


-أنظر إلي وتأملني جيدا يايزن؟


نظرت إليها وتأملتها بتمعن ..لكني لم أتعرف عليها ،ياترى من تكون تلك المرأة ..كانت أسنانها بارزة بشكل لافت ،وزنها مرتفع يسير على طريق البدانة، أشياء كثيرة كانت تؤثر على جمالها تأثيرا واضحا ؛ هذا فيما لو كانت جميلة، قالت محاولة إخفاء أسفها:


-أنا ليلى ؟


-من ليلى .


-ليلى الحبيبة القديمة؟  


-أيضا!!


رفعت الطفلة رأسها وانفجرت ضاحكة ثم نهضت من جانبي وتوجهت إلى المقعد الذي أمامي لتجلس عليه بركبتيها في مواجهتي حاضنة مسنده بيديها وهي مطلة علي تتأمل رد فعلي على الأداء الذي قامت به ببراعة ،فقالت المرأة :


-نعم ..سأوضح لك الأمر ..أنا ليلى وهذه ابنتي الوحيدة منى ..أنها تشبهني كثيرا عندما كنت طفلة بهذا العمر أليس كذلك؟


-نعم ..الأن فهمت .


-أنا وابنتي الوحيدة صديقتان ..لقد حدثتها عن قصتي معك بالتفصيل الممل ،أما كيف عرفتك اليوم فذلك من خلال بروفايلك..لقد كنت من متابعاتك ..ومعجباتك أيضا ..وكنت أعلق على قصصك بأسم ساحرة الجنوب وكانت صورتي الشخصية لعيوني الخضراء ..هل وضحت الصورة ياعزيزي ؟


-نعم هذا صحيح..لكن لماذا قمت بتلك التمثيلة مع ابنتك.


-ههههههه لأن ابنتي تجيد التمثيل وهي تعمل في فرقة مسرحية أردت من خلالها أن أعود بك إلى الماضي لاريها كم كنت تحبني..و لعلك لازلت .. ؟


-أي قمت أنت وابنتك بمسرحية  مسلية للعب بمشاعري فقط أليس كذلك.


صمتت قليلا ..تنهدت بحسرة ،ثم نظرت إلى ابنتها وطلبت منها تركنا وحدنا ،وعندما غادرت ابنتها قالت:


-لماذا تفسر  كل مافعلته بأنه كان على سبيل التسلية؟


-في الواقع أنا لم أجد أي تفسير أخر .


-ه..هل لازلت تحبني ؟


-لقد تغير الزمن ياسيدتي ،أنا أحببتك عندما كنت طفلة ..ثم أنت الأن أمرأة ..ومتزوجة أيضا.


-دعك من وضعي الاجتماعي الأن ،لكنك قلت لي في الماضي بأنك ستتزوجني عندما أكبر؟


-ماهي سوى أحلام الشباب المشتته سيدتي، ثم أن مشاعرنا حينها قد تختلف عنها اليوم .


-أي تريد القول بأنها تتبدل حسب الظروف و..حسب النزوات؟


-لم اقصد ذلك .


-هل أنا قبيحة إلى هذه الدرجة؟


-لم اقصد ذلك أيضا ..لكن أنت أمرأة شابة ..ومتزوجة ..بينما أنا رجل عجوز .


تنهدت ثانية  وقالت :


-زوجي المختل لايستطيع قول الكلام الجميل لي ..لم أحصل منه سوى على المال ؟


-بأمكانك الاستعاضة بالمال ..هذه هي الحياة ..تنازلات.


-لعن الله المال..لقد أكدت لي الحياة أن المال ليست كل شيء ..أنا أمرأة واحتاج إلى الحب ..أحتاج إلى الاحتواء ؟


-لكن لابد أنه  يحبك.


-أنه معاق عقليا ولا يعي مايقول؟


-ولكنك أنت التي إخترت الحسب والنسب والمال .


-هي أفكار زرعها أبي برأسي ومن ثم أجبرني عليه ؟


- مبررات لايصدقها عاقل ..أنت اليوم متنعمة بالمال والثراء الفاحش فالحياة تستدعي بعض التنازلات كما أخبرتك ..شيء لأجل شيء أخر.


-أن الكلام شيء وأن تعش واقعه شيئا أخر..أنا أمرأة ياعزيزي ويسرني الكلام الجميل والتغزل  والمديح ..ح..حتى ذلك الشخص الذي عرفته كان يكذب علي وكان يبتزني ماديا ..وقد أخبرني  أخيرا بأني  قبيحة قبل أن أبتعد عنه؟


-ماذا تقصدين..من هو ذاك الشخص  ياسيدتي.


شعرت بأنها ورطت نفسها بالكلام وقالت بعد فوات الأوان:


-أنه....لا..لاأحد؟


-أكنت تتخذين عشيقا!!


-لم أعد كذلك؟


-ياإلهي 


-في البداية اعتقدت بأنه يحبني ..لقد اوهمني بأني جميلة ..لكنه كان كاذبا ..أنا أعلم بأني غير جميلة؟


-لقد غيرتك الأيام ياليلى ..ليتك بقيت طفلة بريئة.


-عندما التقيتك اعتقدت بأنك لازلت تحبني ..وعلى الأقل تراني طفلة..فأعتقدت بأني أستطيع أن أبدأ معك من جديد..لكنك أثبت لي بأنك كغيرك من الرجال..مخيبين للآمال ؟


-وحتى لو كان ذلك صحيحا هل كنت تعتقدين بأني سأرضى بدور العشيق.


-ليس بالضرورة عشيقا .. أي دور تريده..لكن لاتقل أن حبك لي قد إنتهى؟


-لايمكن ياسيدتي.


-إذا قل لي أن  حبك لي كان كذب ..تماما كقصصك المنشورة ..بل لعلك  مختلا كزوجي ..والأن سأذهب ؟


نهضت وتركت ذلك المقعد لتعود إلى أبعد مايمكن في الحافلة لتجلس على المقاعد الفارغة .

وصلت الحافلة إلى محطتها الأخيرة ..نزلت من الحافلة..لفحتني حرارة الشمس الحارقة التي لاتحتمل أبدا ..لقد كانت كالصفعة تماما، جرت الطفلة منى إلي.. اقتربت مني مصافحة وابتسامة إعجابها بنفسها لاتفارقها وقلت لها معاتبا:


-أشكرك يامنى ..أشكرك كثيرا؟


نزلت  ليلى ..نادت على ابنتها غاضبة ..رجعت منى إليها..أمسكت بيدها وغادرن مبتعدات ،

قلت في نفسي "أه يامنى ..كم أخشى أن يعيد الزمن نفسه ..ياله من زمن لايرحم.


              "إنتهت القصة "

       وإلى قصة أخرى...


تيسيرالمغاصبه 

٣١-٥-٢٠٢٣

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ساهجوا ذاتي

 مُحاكمة للذات # # # 2025 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ...