الأحد، 20 مارس 2022

 قصة قصيرة

ذاكرة مثقوبة .....

كان الجو ساكنا تعتريه نسمات رياح باردة بدأت حركة المارة في السوق تتلاشى رويدا رويدا إلٱ من الكادحين تتعالى أصواتهم الممزوجة بأبواق السيارات المكتظة في تقاطع ساحة الطيران. أصبحت الشمس مجرد قرص شاحب يتوارى خلف البنايات العالية. السماء ملبدة بالغيوم  تبدو باهتة ورمادية منذرة بمطر وشيك.

المحلات أغلقت أبوابها.وبأسرع ما يمكن وبنشاط وحيوية لملمت أغراضي المنثورة على الرصيف وكدستها بعربتي ثم أحكمت غطائها بقطعة نايلون حتى  لٱ يندّيها المطر .الذي بدأ النثيث الخفيف يبلل إسفلت الشارع فتتكسر عليه أضواء السيارات مع خيوط البرق اللامعة وكأنها تمزق ثوب السماء مصحوبة بالرعد والرياح تعزف على أسلاك الأعمدة لحن الأمل الضائع الذي يرتطم بجدارن الزمن الغامض ولا يرتد 

إلا الصدى م̷ـــِْن كهف المجهول يعقبه قطع التيار الكهربائي ليغزو المدينة ظلام دامس ازداد المطر هطولا لبست معطفي المطري أفرغت الدخل في الجيب الداخلي أخشى السرقة م̷ـــِْن نشالين الباب الشرقي. ركنت عربتي في الخان. وبعدها ركبت الحافلة المتجة إلى أطراف بغداد لأعود لمنزلي. جلست قرب النافذة .جميع الشوراع كانت خالية سوى تجمعات الكلاب الضالة المسعورة والذئاب التي تجوب المدينة هي الوحيدة التي ترى في ذلك الظلام رمقت جميع الركاب. ترتعد فرائصهم  انخفض صوتهم بعد أن كانوا يتذمرون من الغلاء 

فقط يتمتمون بكلام غير مفهوم حائرة نظرات عيونهم في أزقة التوهان  .ترجلت م̷ـــِْن الحافلة بعد وصولها. واتجهت صوب منزلي أتخبط بالأوحال مازالت السماء تبرق والريح تهدر بصوتها. دخلت الدار جلست على كرسي متهالك على مقربة من سرير أمي التي ترقد بفراشها أوهن المرض جسمها النحيف علائم الحزن والخراب لم تفارقها بعد اختفاء أبي سكبت أختي الصغيرة القهوة أخذت فنجاني و دلفت لغرفتي المعتادة استلقيت على سريري ذو النفر كنت منهكا و أفكار كثيرة تعصف بمخيلتي. سحبت نفسا عميقا وأنا أتأمل السقف الذي تتدلى منه خيوط  العنكبوت الذي ينتظر خلسة   لينقض على فريسته ويأخذها بمخالبه الطويلة القابضة ولا يتركها حتى تلفظ أنفاسها. كنت أظن أنها خاوية ك ذاكرتي المعطوبة التي أغلقت جميع أبوبها بإحكام منذ سنوات. تتراكم بمخيلتي صور قاتمة وأسئلة كثيرة يصعب علي فهمها وتفسيرها فأشعر أني مهمش ومبعد عن المشاركة بالحياة. طريقة القدر الغامضة في رسم الخطوط البيانية وخطوط الطول والعرض والخطوط المتعرجة لحياتي هذه العشوائية  جعلت  م̷ـــِْن الصعب أن أعرف بأي نقطة موقعي مما سهل على تجاعيد الخراب أن تتغلغل وتمخر بداخلي.

كانت الريح تعبث بأطراف ستارة النافذة لأنها غير محكمة. رائحة البتريكور تسللت إلى جسدي أيقضت العواصف الجامدة فتثير زوبعة بمشاعري المخبئة. أخشى أن تصل لثقوب ذاكرتي. صرت أبحث عن الدفء أكيل الأنفاس بأغلال مثقلة ألوك رغيف  الذكريات. تتحشرج في بلعومي  فأرتشف من كأس الصبر

 على طاولة الحنين.

وأراقب دخان سجارتي المتطاير في الهواء وكأنه يعانق أحلامي الصامتة المعلقة على جدار حجرتي المتشقق.

في عمق صحوتي تعتريني رغبة ملحة بنوم أود أن أهرب م̷ـــِْن تشويش ذهني فسحب بيضاء غير شفيفة تمر أمام عيني وألم يمور في رأسي المتعب المثقل بالهموم شبكت أصابع يدي،وضعتها تحت رأسي. أبحث عن مستقر في سقف الحجرة أريد أن أبعثر ه̷̷َـَْـُذآ الضياع فوقع بصري،على عش طيني فارغ مهجور لسنونو أعجبني التناسق،المبدع في بنائه .كل حبة طين وضعها بمكانها الصحيح ملتصقة بالأخرى معلقة بالسقف.

ابتسمت بسذاجة .

أربع سنوات أدرس،الهندسة المدنية ولا أستطيع أن أبني بيت كهذا الطائر العحيب الذي يرسم ويخطط ويبني بجهد.

سلمت عيني لنوم العميق.

أحسست بأصابع سحرية تمس شعري وأجفان عيوني وشفتي وصوت دافئ، حنون يهدئ م̷ـــِْن روعي جالسة على حافة السرير

بثوب أسود شفاف  تتحدث بهدوء حبيبي تُعباُنٌ  ثم صمت مرهف. دنت مِڼـّي بين ذراعيها طوقتني أحسها نعمة م̷ـــِْن السماء تهبط علي تلفحني بأنفاسها شعرت برأسي يستند على صدرها ومسامعي تعانق همسها.

وإذا بصوت أختي استيقظ تأخرت عن عملك أيقظتني م̷ـــِْن حلم لم يكتمل على أطراف الوسادة.

حسناً بنيتي أغلقي الباب سوف استيقظ،لبرهة م̷ـــِْن الزمن فكرت بأن لٱ أذهب للعمل بعدها مباشرة تذكرت بأن لدينا موعد مع طبيب أمي

نهضت مسرعا.

لذلك الضجيج تعالت الأصوات لترغيب الزبون بأي طريقة كانت. ورغم ذلك الزحام رأيت قمرا يتماوج ذلك الوجه السحري الذي،لم يفقد نضارته رغم سنوات الفراق ممسكة بطفلها ذو الخمس سنوات.

وقفت مترنحاً على أعتاب عربتي كمن يقف على حافة الهاوية جسدي يرتعش واختنقت بعبرة مالحة حد المرارة

أشحت بناظري عنها  وأغلقت أبواب وثقوب ذاكرتي ......

وصدحت بصوتي تَعاّإاّإلّ جاي حاجة بألف


حيدر الفتلاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحبس سجام العين كفكف

 أحبس سجام العين كفكف أدمعا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ...