في حبّ العراق و أهله
عراقيّة النّوى
"ما أقبل ليلٌ إلاّ تمنيّت ُإدبارَهُ تجري به رجلهُ إلى الصّبح.فما أشْقَى نفسٌ بها ظلْمةٌ تنتظرُ أن يأتيها ليلٌ بما فيها،فهل تصير إلاّ كالأعمى يهتدي في الوعر بمثله و أَصَمّاً.ما أكذب الشّعراء يزعمون فيه الخيال و أطيافًا تأتيهم بكؤوس الخمور و الحبور و العبير و اجنحة النّسور.لا يؤخذ اللّيلُ من افواه الشّعراء الحالمين الكاذبين. اللّيلُ في أفواه الخائفين الصّامتين...مثلي..."
وقفتْ أمام المرآة عارية من زينة الكلام .ثمرةٌ كتمرة الهلال الخصيب نضجتْ و لانتْ و لمعتْ فأغرى النّوى بما يحتضنه من فاكهة و غذاء.و كذا الثّمار _قالتْ_"إن طابتْ في الغصن في هذا الجذع النّابت في أصل هذه التربة ،كذا إن فاحتْ ريحُها و تقاطرَ رضابُها و سال حُلْوها و حلَتْ زينتُها انتظرتْ قاطفها و خافتْ تسَّاقطُ فتصيرُ مسكنًا للدّود و مغرزًا للحشرات و طعامًا للتّراب."
اقتربت من المرآةحتّى كادت تصير منها.وبدتْ وجنتها فتيلا ًقتيلَ هوى يغازلُ صورته. فتيلان يتلاعبان و يتناغيان تسهرُ في نورهما عينٌ خائفةٌ تنظرُ و لا تَرَى كالمستفيق من صعق يرى الأشياءَ و لا يعيها،مضروبٌ في داخله ،مفتَّحُ العين ، مسلوب البصر في أعماقه وهجٌ لا تبرّدُهُ النّسائم.واضمحلّتْ في المرآة حتى أنّها لم تعدْ شيئا مذكورا.و تراكم السّكونُ على السّكون،و جيء بالصّمت من قلب القبور، و سيقَ النّورُ إلى الظّلام مدحورًا، وعن ذلك المكان هشَّ رُعْيَانُ اللّيل الأصوات و الأنفاسَ و هفَّةَ الأنسام في الأثير.و هفتتْ الأشياءُ كالمغدور بالسّموم يرحَلُُ به التّخديرُ، ثمّ بعد ذلك علا صدرُهُ و بان من طَرْف عينه حَوَرٌ و جرى في خدّه دمٌ كالغائب في ألم يُسَرُّ إلى أعماقه الأمَلُ ،حينها انْسَلَّ من السّكون الثّقيل صوتٌ كالماء يغتسلُ بأعذب منهُ ليقولَ:
"أنا نَفْسُك و نَفَسُك ..أتخافني أم أنت خائفةٌ على نفسك ؟أنا القاطنةُ فيك عناصري الماء و التّراب و وهجُ الحياة ،من خاف ينْصُبُ مائي و يجدبُ ترابي و يموتُ نمائي فإنّهُ حيٌّ لايموتُ.من خاف يأتيني البلاءُ و الدّمارُُ و الشّقاءُ،و ياتيني به(بسببه) و به الهلاكُ و التّقطيعُ فإنّهُ حيٌّ لا يموتُ ،من خاف أسأله وسيلته في حبّي و عشقي و سلامتي و حفظي و انعتاقي و نهوضي فإنّه الحيُّ الذّي لا يميتُهُ الحيُّ الذّي لا يموت.من خاف تفتيتي و تمزّقي و ذهابي فإنّي مسكنتهُ إلى السّاعة في القلوب.ومن خاف على نفسه فإنّهُ يذهبُ و يموتُ فهلّ تَرَكَ أحدٌ الموتُ."
وانْشقَّتْ الظّلْمةُ عن فلْقة صبح تقولُ:
"أنا من وضعتْك أمّك في حجري و في مائي و في حَجَري"
و برزتْ المرأةُ للمكان من جديد و فتحتْ نافذتها لتقولَ دويًّا:
"عراقُ ...ما أخافُ أن اموت
أخافُ يا عراق أن تموت
و ياكلُ البلى من وجهكَ الجميلُ و الرّدى
و يكْرَهُ الثّرى رُفَاتيَ السَّجيَّ في النّدى
لأنّني ضيّعْتُ (جيكور)و الفراتَ و الهوى
عراق يا عراق.....عراق يا رفاق
عراق لايموت و يكبرُ الهوى."
أحمد بو قرّاعة
سوســــــــــــة_ تــــــــــونس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق