نفحات رمضان سفا ريحها العبق
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ها هي رياح رمضان قد لاحت لك.. صيام النهار وقيام الليل. تقبل الله منا ومنك، ووهبنا ولوج باب الريان باب الصائمين. فمن اضاعه ابتلي بمسلك خطير.. صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر يوما فقال: «آمين. آمين. آمين» قيل: يا رسول الله، إنك حين صعدت المنبر قلت: آمين آمين آمين. قال: «إن جبريل أتاني فقال: من أدرك شهر رمضان، ولم يغفر له, فدخل النار فأبعده الله. قل: آمين، فقلت: آمين. ومن أدرك أبويه أو أحدهما، فلم يبرهما، فمات، فدخل النار, فأبعده الله. قل: آمين. فقلت: آمين. ومن ذكرت عنده، فلم يصل عليك، فمات، فدخل النار، فأبعده الله. قل: آمين. فقلت: آمين. من لم يتب في رمضان، فمتى يتوب؟ ومن لم يعد إلى الله في رمضان، فمتى يعود؟
رمضان يربي في أصحابه الخشية من الله تعالى، ورجاء ما عنده.. ولقد قيل عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه لما شرب ماء مبردا بكى واشتد بكاؤه، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: ذكرت آية في كتاب الله عز وجل: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} فعرفت أن أهل النار لا يشتهون شيئاً، شهوتهم الماء. وقد قال الله: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ}، فبكى، واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه. ولقد دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على شاب، وهو في الموت فقال له: «كيف تجدك؟ فقال: والله، يا رسول الله، إني لأرجو الله، وإني أخاف ذنوبي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف». وبكى الحسن، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: أخاف أن يطرحني في النار، ولا يبالي. فقام ينظر إليه، ويبكي. إنهم يربون في داخلهم الخشية خوفا ورجاء، فأكمل الأحوال اعتدال الرجاء والخوف وغلب الحب، فالمحبة هي المركب، والرجاء حاد، والخوف سائق، والله الموصل بمنه وكرمه، فأبشروا أمل من رب كريم وجواد رحيم.. تعرض لنفحاته، وسارع إليه بالخيرات تجد كريما عظيماً، خصوصا في وقت السحر، حيث هدأت الأصوات، ونامت العيون، وتقلب النوام على فراشهم.. هب حينئذ المؤمنون من وثير فراشهم وسررهم ليكابدوا الليل والتعب.. {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} كما قال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم, ومقربة لكم إلى ربكم, ومكفرة للسيئات, ومنهاة عن الإثم, ومطردة للداء عن الجسد» والقيام مع رمضان فرصة, وله فيه مزية «من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه » .ولقد تفنن الأصحاب الكرام والأول في هذه النافلة, فمنهم من أمضى الليل راكعا, ومنهم من قطعه ساجدا, ومنهم من أذهبه قائما أو تاليا أو ذاكرا أو شاكراً ،إن آخر الليل هو وقت نزول الرحمن جل وعلا إلى السماء الدنيا نزولا يليق بجلاله, فيجيب دعوة الداعي، ويعطي السائل، ويغفر ذنب المذنب التائب «ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر, يقول: من يدعوني, فأستجيب له، من يسألني, فأعطيه، من يستغفرني, فأغفر له» ما أرحم الله وأكرمه .هذا في سائر العام، فما بالك برمضان شهر النفحات والهبات .. ولله من العطايا في رمضان ما ليس في دونه. «إن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» نحن نسيء كثيراً.. والزلل منا أكبر ورحمة الله أعظم.. وفي السحر تتجلى هذه الرحمة من العظيم الرحمن سبحانه. سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولا يزال مهما هفا العبد عفا يعطي الذي يخطئ ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطأ، ألا, فإنه حري بنا أن نستغل رمضان في النجاة بقلوبنا وحياتنا؛ لنكون على منهج الله, إن الذي يخرج من رمضان, ولم يتلذذ بصيامه وقيامه, فأين هو من نفحات رمضان؟! إن الصيام والقيام دليل الحب الخالص لله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} فهنيئا لمن أحب الله ورسوله - حبا خالصا رائده الاتباع، وسائقه التزود ليوم صبحه ويوم القيامة.. اللهم، صلاحا وفلاحا على طريق محمد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام. والله، أعلى وأعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. واغتنم فرصة قدوم الشهر الكريم لنعطر الأفواه بدعوة خالصة للرب بقبولنا وان يبلغا الشهر الفضيل ويمن علينا برحمة ومغفرته وعتقه من النيران انه سميع مجيب والحمد لله رب العالمين.
أبو مصطفى آل قبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق