قصة قصيرة ( رحلة عشتار السماوية )
في البدء هي مجرد روح هائمة ، أختلطت مع الملايين من الارواح المستدعاة في أحدى زوايا السماء التي لا حدَّ لها …
كلمات من الله أحدثت أمواجاً على سطح الارض والسماء ، وأسرعت الملائكة بأستحضار الارواح أفواجاً ، نزلت مع النازلين روح ( عشتار) وظلت تحوم حول قبرها ، وهو منزلها الاول بعد وفاتها قبل مئات السنين ، وحيث حظيت بجنازة لائقة …
هي ترفرف حول رمسها الان متدلية ،وما إن نزلت قاع الأرض حتى ضاقت ذرعاً وتمتمت :
— منزلي في السماء أكثر اتساعاً وحرية … لماذا أُرجعتُ الى حيث الظلمة ؟؟
بحثت ( عشتار) في قاع قبرها ، لم تجد هيكلها العظمي ، أحتجت واجتاحتها
رغبة غير عادية وملحة لإن تسأل الله عن رفاتها ، لكنها تراجعت هيبةً ، وجهت حديثها للملائكة المصاحبين لها :
— يبدو إنكم مخطئون … هذا ليس قبري ، ولا يوجد شيء مني هنا …!!
استسلمت للأمر … وأعتقدت بأن كل شيء قُضي وانتهى …
بعد زمن لم تستطع حسابه… زمن لاتميز كنهه ، بدأت جلبة ما داخل قبرها ، ويبدو إن هيكلها العظمي المختفي بدأ يتلملم ويلتحق بها ذرات تراب وأشياء أخرى لتشكل هيئتها وتعود مرة أخرى امرأة جميلة وحرة …وهاهي تنسل من قبرها لتقف أمام العدل الإلهي ، مرتدية أردية بيضاء ، منسدلة جلابيبها عليها بالكامل وهي تتوهج مثل لمعان الشمس …
هي لاتعلم كم مضى عليها من الوقت بين لحظة موتها …ولحظة فتحها لعينيها من جديد …ولكنها الآن في صباح زجاجي ومشرق ، سيقت مبكراً في رحلة سريعة عبر الآفاق ، وجل أمنيتها أن يتوقف ركب الملائكة بها أمام فتحة الرحمة …فهذا أملها الكبير ،هي الآن لاتهتم الى طول الرحلة وقصرها … بل الوجهة والفتحة التي ستدخلها هي كل ما يهم الان …
هي لاتريد أن يتوقف موكبها أمام ايّ من بوابات جهنم …ربما تكون من المحظوظات وتجتاز تلك البوابات النارية ، الأمل لازال قائماً لحد الآن …
فلا يزال لديها ضوء من شمس ما …ضوء جميل قد نسته تماما في قبرها ، تلك العتمة التي لاقرار لها من العتمة القاتلة ٠
إنها الان على قيد الحياة ثانية كما يبدو ، رغم جهلها مانوع هذه الحياة … لذا فقد تمتمت مع نفسها :
— سواء أهذه نهايتي أم بداية لحياة أخرى ، لا أدري …
الحيرة تتسع أمامها في رحلتها السحرية المستمرة ، لحد الان ولم تتوقف عند ايٍّ من البوابات الجهنمية أو الرحيمة ، فقط سفر متواصل عبر فضاء ممتد الى اللانهاية … تتصادم بأرواح كثيرة …
السماء مليئة بالأرواح المنفلتة … الملايين منها ، هابطة صاعدة… بعضها يصدم بعضا،كأنها ذرات مذعورة في فسحة الكون هذا … نفوس مختلفة الألوان والأشكال والأحجام …منها ماهو مشع ، ومنها ما هو مظلم قاس … وهناك أرواح من شرر ونار عليك ان تتجنبها ، كلها طائرة بإتجاهات مختلفة ومتعاكسة كالدبابير الهائجة …
هي تريد التأكد من انها قد تطهرت من ما لحقها من مصنع الخطايا المهيمن على الارض ، وأن ذنوبها قد تبعثرت منسلخة عنها في سرعة الريح وهي تجول على غير هدى ، لانها تعتقد الان أن العفاريت الأرضية كانت تستمتع في إيذاء البشر … وعليها الان تجنبها في السماء … ويبدو أن الشياطين لازالت معلقة على بوابات السماوات هي الاخرى في محاولة لاصطياد فرائسها المغفلين … فقالت :
— أنتم الشياطين الذين تنامون راء كل حجر … ستكونون وقود جهنم
وأستمرت رحلتها … ثم…ثم التقطت اسماعها صوتاً جميلاً ناعماً … يزيح القلق والخوف ويبشر بنهاية رحلتها هذه :
— ان الله رؤوف رحيم … ان الله يقدم الخلاص حتى لأولئك الأكثر شذوذاً ، وإنحرافاً … فقط عليك إلاتجفو عن الرحمن والبؤساء من الناس ٠
رقصت … رقصت فرحة وهي في السماء … وبدأت تزغرد وعلا صوت زغاريدها وتقافزها مبتهجة أستيقظ زوجها مرعوباً من نومه فقال لها :
—- خير أن شاء لله !! مابك يا امرأة ؟
فردت عليه في اندهاش وارتباك :
لاشيء ، يبدوأني علقت برؤيا ما……
( صباح خلف عباس العتابي)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق