السبت، 24 أبريل 2021

عبده داود

 يوميات مضيفة طيران 

عنوان الحلقة السابعة: 

ملكة جمال

بعدما تأبطت سحر ذراع لويس، ودخلا النادي، شعرت بأن قلبها تضاعفت ضرباته، وحرارة جسمها قد ارتفعت.

بررت وتمتمت البرتوكولات الاجتماعية تجبرنا على سلوكيات معينة، وربما هكذا أفضل، وإلا من أكون أنا القادمة بمرافقة رجل لا تربطني معه أي صلة اجتماعية، ولا حتى زمالة، أو حتى معرفة... 

جاء مدير المعمل وزوجته مسرعين لاستقبال السوريين الضيوف بحرارة حميمية...  

أجلسوا سحر بجانب زوجة مدير المصنع، ولويس بجانب المدير...وكان حول الطاولة لفيف من الأصدقاء من رجال ونساء... رحبوا بالضيوف السوريين...

وقف مدير المصنع يقرع بملعقة على كأس يحمله، معلناً بأنه سيرتجل كلمة... رحب الرجل بالسوريين، وعرفهم على الموجودين، وعرف الموجودين عليهم، ومنهم معاون وزير الصناعة...ورجال صناعيين وتجار كبار وإعلامية معروفة... 

زوجة مدير المصنع، أخذت تحادث سحر باللغة الفرنسية التي تجيدها بلكنة باريسية مميزة  اكتسبتها من والدتها الفرنسية المنشأ... كذلك اندهشت زوجة المدير من لغة سحر الأدبية الراقية... 

سأل مدير المصنع سحر هل اعجبك مصنعنا؟ 

قالت سحر: الحقيقة الذي شاهدته اليوم يدل على عظمة الصناعة في الصين، لكن اسمحوا لي القول بصراحة ومحبة: المنتجات التي تصل إلى اسواقنا في سورية غير مرغوبة، ربما هي جميلة في شكلها الخارجي، لكنها سريعة العطب جداً. 

قال المدير، أشكرك آنسة سحر لطرح هذا الأمر الموضوعي. وأحيل الإجابة إلى معاون وزير الصناعة وأشار إليه. 

قال هذا الأخير: نحن في الصين نراعي أحوال الدول الفقيرة، ونصنع منتجاتنا بأقل التكاليف الممكنة، ومع هذا يأتينا بعض التجار من الشرق الأوسط، يشترون البضاعة المعدة للإتلاف، بضاعة فيها عيوب كثيرة لا تصلح، هم يشترون تلك المنتجات الصناعية بالوزن وبأرخص الاثمان، ويعيدون ترميمها، ويبيعونها لشعوبهم بأسعار أضعاف تكلفة الشراء...الحقيقة صار عند أصحاب المصانع الصينية أعياد، عندما يأتي تجار الشرق الأوسطـ، ليشتروا سقط  معاملنا، ويدفعون ثمناً لها، بينما كان أصحاب المعامل  يدفعون مالاً لترحيل تلك النفايات... 

هذا الامر نوقش مرات عديدة عند الحكومة الصينية، لأن هذا سيؤدي بالتالي إلى سوء السمعة على إجمالي الصناعات الصينية... 

لكن الحكومة  تقول بأن العالم  سيشهد بأن الصين هي الدولة الصناعية الأولى في الصناعة  في السنوات القليلة المقبلة، لذلك لا يهتمون إلى أمر نفايات مصانعهم في الوقت الحالي...

شرب الجميع نخب الصداقة السورية الصينية، امتلأت الطاولة الواسعة بالمأكولات المختلفة. سحر اكتفت ببعض المأكولات البسيطة... 

بدأت الفرقة الموسيقية تعزف الحانا راقصة، وأخذ يتزايد عدد الراقصين في الحلبة...

تفاجأت سحر مدير المصنع وقف ودعاها حتى تشاركه الرقص، طبعا هي نهضت بكل رقي ورفعة، لويس أيضاَ راقص زوجة المدير. وعندما طلب لويس من سحر أن يراقصها، كانت هي تنتظر تلك اللحظة وتتمناها، حتى تتأمل في عيني لويس عن كثب وتتعشق أنفاسه... وربما تسمع نبضات قلبه... وعله هو يسمع دقات قلبها التي باتت تصرخ بأعلى صوتها: أنا معجبة بك يا لويس...أرجوك حبني كما أنا أحببتك...وفعلاً كان للرقص فعل عجيب في فوران وهيجان عواطفها، وشعرت بأن الحب ملأ  كيانها رغماً عنها... 

سيطرت سحر على عواطفها  وشدتها  بحبال متينة. وقالت: لا، لن اصرح بحبي لإنسان غريب عني...أي عشق مجنون هذا الذي  سيطر على قلبي، أنا لست ضعيفة لهذا الحد، حتى أنهار أمام عاطفة هوجاء تشبه الزوبعة، وربما تتلاشى بسرعة، كما هبت بسرعة... أنا بنيت بيتي على الصخر، لن اتصرف برعونة طائشة... 

ظهر احدهم على المسرح وقال باللغتين  الصينية والإنكليزية: على الفتيات الراغبات بان يدخلن مسابقة ملكة جمال النادي هذه السنة، ليتفضلن بالصعود إلى المنصة... 

سحر لم تكترث  بما سمعت، هي غريبة وليس لها هنا أي صلات... لكن المدير  وأصدقاؤه طلبوا منها وبإلحاح أن تصعد على  خشبة المسرح...رفضت ذلك الأمر بشدة، لكن مدير المصنع  نهض وسحبها من يدها وأصعدها على المسرح بعنوة محببة، مما جعلها  تعيد شحن ذاتها بالثقة الذاتية، وتذكرت كلام لويس عندما  قال: أنت اليوم  سفيرة سورية في بكين...وقالت بسريرتها لم لا؟ سورية عظيمة وأنا ابنة سورية... أنا من حفيدات الملكة زنوبيا، رفعت رأسها بشموخ، وابتسمت ابتسامة جريئة، ووقفت على المسرح كأميرة من الأميرات... 

عدد الصبايا على المسرح تجاوز الثلاثين صبية... 

أخذت اللجنة توجه الأسئلة الثقافية المختلفة إلى الصبايا باللغتين الصينية والإنكليزية، جاء دور سحر سألوها أسئلة متنوعة، وكانت تجيب بروية، أجوبة تدل على ثقافة وفهم... أخيراً سألوها ماذا يعجبك في الصين؟ 

هنا صفنت لتتذكر من قراءاتها السياحية، ماذا يعجبها في الصين... الصين التي وصلت إليها أمس، ولم تغادر الفندق الا إلى ذاك المعمل الكبير...ماذا تقول؟ لكنها تذكرت كلام أبونا ميشيل، وقالت: يعجبني  سور الصين العظيم.

سألوها  وهل زرت  السور يوماً؟ قالت لا، لكنني  أتمنى أن تسمح لي ظروفي مستقبلاً واعاينه عن كثب...

انتهت الاستعراضات المعتادة، وكان على اللجنة أن تختار ملكة جمال تلك السنة... وكانت المفاجأة  مدوية، فازت سحر بإجماع اللجنة...وقف جميع الحضور وهم يصفقون بشدة، ويعيدون التصفيق بشكل حار...

وضع  مدير  النادي  تاج التتويج على رأسها، وقال هذا التاج هو هدية لك ولاخوتنا السوريين...والبسها شريطاً  أبيض عريضاً مكتوباً عليه  باللغة الصينية ملكة جمال نادي القمة وتاريخ تلك السنة...

 حدثت زوبعة  اعتراض من الصبايا الصينيات وبعض الأهالي  ينددون: الصبايا ينتظرن هذه المناسبة بفارغ الصبر، ويحتجون على  اللجنة بحدة، بان سحر ليست صينية حتى تدخل في المسابقة. وصار هيجان، وارتفعت أصوات محتجة.

 أخيرا صعد مدير النادي فوق المنصة وقال: لم يشترط قانون النادي بأن تكون الداخلة في المسابقة صينية، ونجاح سحر مستوف الشروط، وهي تستحقه بجدارة...

 وأضاف مدير النادي قائلا:  بأن الاجماع  الكامل من لجان التحكيم في الاختيار لم يحدث يوماً  في النادي كهذه السنة...

كما أضاف: الهدية الخاصة، هي  سيارة النادي ستكون تحت أمر ملكة جمال السنة  لتنقلها لزيارة سور الصين، لا يجوز أن تأتي إلى الصين، ولا تزور سور الصين العظيم  أحد عجائب العالم السبع...

مدير المصنع وزوجته ولويس صعدوا إلى المسرح وقاموا بتقبيل سحر وتهنأتها بهذا الفوز الرائع.  كما هنأ مدير النادي سحر وقال لها غداً ستقرئين التاريخ في صفحات الحاضر...

قالت سحر: اشكرك جزيلاً، لكنني سأسأل رفيقاتي إذا كن يرغبن مرافقتي، سنذهب سوية، لكن بمفردي سأعتذر، بكل الأحوال قد غمرتموني بلطفكم...

سحر كانت تتمنى أن يكون لويس هو من يرافقها...ولكن ماذا سيقول عنها زميلاتها المضيفات، والكابتن ومساعده؟ 

ومن يكون  لويس هذا الذي اغرمت به في ساعات قليلة، وما معنى هذا الانجذاب الذي حدث نحوه، وبهذه السرعة الفلكية؟ 

وما هو عنوان هذا الشعور لا أدري؟ لكن يجب ألا انجرف وراء قصة حب لا جذور لها... شاب أشعل النار في قلبي في غضون ساعات... لا أنكر انجذابي الجسدي والروحي تجاه هذا الانسان الذي عرفته في أعالي الفضاء، وصار هو قمري وحبيبي على أرض الواقع الصيني...

أيكون لويس عبود، هو فارس أحلامي الآتي راكبا الحصان الأبيض المجنح، من يدري؟ 

كاتب القصة: عبده داود

الى اللقاء في الحلقة الثامنة.

الحلقات السابقة تجدونها في المجموعة المفتوحة للجميع

(مجموعة يوميات مضيفة طيران

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جارة القلب / عمر طه اسماعيل

 لا تبعدي..  وظلي جارة..  للقلب..  اهواك ٍ..  لا اقدر عيشا دونك..  والبعد عنك..  يامولاتي..  جرم ٌ..  وذنب..   اني ولدت..  من جديد..  ويوم م...