القــوة ناعمة ... شاهــد علـى العصــر
بقلــم الأديب المصرى
د. طـارق رضــوان جمعه
"الأمم المُتقدمة تسوق صورتها للعالم من خلال الفن والرسالة الإعلامية الصادقة"... هذا ما قاله الرئيس السيسى عندما طلب من أهل الفن أعمال فنية هادفة تُحسن الوعي لدي الجمهور المصري. وكانت الرسالة واضحة لتوضيح شكل العلاقة بين النظام السياسي والفن. فهو يري الفن بكافة أنواعه وخاصة السينما تابعان للدولة،وقبل إجراء انتخابات الرئاسة 2014، نجد أنه طالب الفنانين من خلال لقاءه معهم بضرورة حث الشعب علي المشاركة في الانتخابات لما لديهم من قدرة في التأثيرعلي وعي الجماهير.
فالسينما تلعب دورًا مهمًا في تكوين الوعي السياسي لدي الأفراد، بالإضافة إلي إنها تؤثرعلي الرأي العام تجاه القضايا المُثاره في المجتمع. يتناول صُناع الأفلام الآمال والطموحات والمخاوف المتعلقة بكل حقبة مختلفة تمر بها البلاد. ويعبرون عن كافة التجارب السياسية والاجتماعية و الأحداث الواقعية التي تمر البلاد بطريقة سينمائية مثيرة. وفي هذا السياق تُقدم الأفلام نوعًا ما من النقد وتحمل في طياتها أحكامًا علي الحقبة التي قامت بعرضها في الأفلام بما فيها من أحداث سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية.
والسينما بشكل عام تقدم رؤي للأمور مختلفة أو تجعلنا ننظرإلي العالم من مختلف المناظير التي بها درجة من الإقناع في اتجاه زواية رؤية مُحددة، أو تمكن الفرد من إدراك الأمور التي لم يكن قد رآها من الأساس. لذلك ما تٌقدمه هذه الأفلام يُرسخ في الأذهان ويصدقة الناس بصفة عامة؛ لأن ليس هناك الكثير من الأفراد تتجه نحو البحث و التأكد من مدي ما يعرضه الفيلم أو حتي للأطلاع علي زاوية أخري من أحداث التي يتناولها الفيلم السينمائي. لذلك تلعب السينما دورًا مهمًا من خلال أدوات التحليل الخاصة بالتاريخ و النظريات الاجتماعية والدراسات النقدية والسياسية المختلفة في عرض الأحداث التي تمر بها البلاد؛ وهذا من شأنه التأثير في وعي الأفراد السياسي.
ومع إدراك القيادة المصرية لأهمية السينما في التأثيرعلي الشعوب، وهي تعتبر أداه من الممكن استخدامها لتحقيق الغايات المطلوبة سواء بالتغييرالايجابي أو السلبي، بدأت وزارة الخارجية تشير إلي أهمية السينما بإعتبارها قوة ناعمة ودورها في تغيير فكر الغرب حول ما حدث في مصر إنها ثورة شعبية وليس إنقلاب عسكري. وكذلك إعادة الدولة دور المؤسسات الثقافية في المشاركة في صنع القرارات، بالإضافة إلي عودة دعوة الفنانين لحضور أهم الحفلات الرسمية للبلد، والاستفادة منهم عن طريق الدبلوماسية الشعبية ودورها في الخارج.
كانت السينما في عهد السادات تُمر بعده مراحل أولها مرحلة ما قبل حرب أكتوبر، وكانت السينما في ذلك الوقت تسيرعلي منهج السينمائي في عهد عبد الناصر، وكانت تتناول الجوانب السياسية من خلال انتقاد النظام السابق، فكانت السينما تُركزعلي كشف قضايا الاستبداد السياسي والقمع الأمني الذي تعرض له المجتمع المصري مثل فيلم الكرنك. أما المرحلة الثانية مرحلة حرب أكتوبر فكانت أغلب التوجهات إلي الالتفاف حول أهمية الانتماء للوطن وضرورة الانتصارعلي العدو وكانت الأفلام تصور مُعاناة الجيش المصري مثلما حدث في فيلم “الرصاصة لا تزال في جيبي، فيلم العمر لحظة”. أما المرحلة الثالثة كانت تعتمد السينما علي الربح وانتشرت بعد الانفتاح السينما التجارية، وأثرت علي كافة الجوانب مثل فيلم ” المغامرون حول العالم.
بعد إغتيال الرئيس السادات وتولي الرئيس حسني مبارك بدأت معه مرحلة فنية جديدة من ظهور أفلام هيأت المجتمع لحقبة سياسية جديدة التي استمرت لمدة 30عام. وبدأ نظام مبارك يروج لأفكاره بمجموعة من الأفلام التي تتناول مساوئ نظام السادات مثلما حدث في فيلم المواطن المصري الذي حاول الأجابة علي تساؤلات حرب أكتوبر التي كانت ترد في ذهن المواطن المصري. وبالإضافة إلي حل المؤسسة العامة للسينما وإلغاء عيد الفن، ولكن عام 1997 ظهرنوع من السينما المعارضة؛ لكنها ظلت بعيده عن رأس النظام
يُعد اندلاع الثورة يناير هيمنت الفصائل الإسلامية علي الساحة السياسية بداية للسيطرةعلي الفن وبالأخص السينما، ويتضح ذلك من خلال اعلان الأخوان رغبتهم في تأسيس شركة إنتاج سينمائي؛ مستلهمين تجربة مسرح الإخوان في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. فكما ذكر الشيخ الإخواني عصام تليمة في بحثه بعنوان“البنا وتجربة الفن. كانت فرقة القاهرة المسرحية الإخوانية تضم أعضاء مهمين وممثلين معروفين من أمثال عبد المنعم مدبولي وسراج منير ومحمود المليجي، وكانت تلك الفرقة تقدم أعمالا مسرحية فكاهية وأخلاقية وتاريخية. لذلك سعوا إلي فكرة شركة الإنتاج من أجل خدمة فكر الجماعة وتسعي الشركة إلي تحسين صورتهم أمام الجمهور بدون تشوية. وكان أول فيلم سوف يتم عرضه عن الشيخ حسن البنا بإداء الممثل السوري رشيد. وكان من المقررعرضه في عيد الأضحي 2012، ولكن الظروف والاحتجاجات التي تعرضت لها الجماعة من قبل المتظاهرين أدت إلي إيقاف العمل به. وهنا ازدواجية في الفكر والتعامل.
فصعود الأخوان ومحاولتهم التضييق علي الفن و اتهام بعض الفنانين بإذدراء الأديان، أثر بشكل كبيرعلى إيرادات السينما التى تراجعت بشكل ملحوظ في عهد الأخوان المسلمين.
تُعد السينما المصرية مرآه حضارة الأمم المختلفة وأحد أقوي منارات الإبداع الفني علي مدار التاريخ الحديث. ونجد أن القاهرة احتضنت أهم صناعة السينما في المنطقة العربية و أصبحت بعد ذلك محط الأنظار لرواد الفنون حتي صارت اللهجة المصرية هي الأكثر شعبية بين الجماهير العربية. فما هو سبب فشل السينما المصرية ؟حدث هذا نتيجة :
1- تراجع دورالقوة الناعمة عقب الثورة2011، بسبب القمع الذي مارسته التيارات الدينية في المجال الفني،فكان من شأنه العمل علي هدم الفن والثقافة.
2- ظهورالتحررالإنتاجي الذي ساعد أي شخص يستطيع أن ينتج فليمًا ونشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
3- غياب الرقابة الفنية علي الأفلام التجارية، أدي إلي ظهور الأفلام المسيئه للأخلاق و إثارة الغرائز لدي الشباب، مما ينعكس سلبًا علي سلوكيات المجتمع المصري.
4- ظهور دول أخري احتلت مكانة مصر الفنية، نظرًا لما تعرضه هذه الدول من أفلام غنية بالمؤثرات، بالإضافة إلي تعاون الجانب الرقابي وعدم تضييقه للجانب السينمائي.
5- أصبحت الثقافة المصرية المتجسدة في الفن والسينما والدراما فى بعد ثورة يناير 2011، ما هي إلا تعبير عن واقع سلبي أصبح فيه المدمن والبلطجي و السارق هم انعكاس لواقع للمجتمع المصري. والجدير بالذكر أن لغة الحوار فى هذه الأعمال أصبحت متردية أكثر مما هو موجود فى الواقع، خاصة مع تزايد أغاني المهرجانات الشعبية، وهذا من شأنه يؤدي إلى تراجع تأثير الثقافة المصرية علي الأفراد، وهذا من شأنه يعكس صورة سلبية عن المجتمع.
6- عدم توجيه الأهتمام للشخصية المصرية الفنية أدي لتراجع القدرة الأبداعية علي مواكبة التطورات ونشر تلك الثقافة.
لم تختلف السينما في تاريخ علاقتها مع السلطة السياسية الحاكمة : فالأفلام التي ظهرت بعد ثورة يوليو حتي 1971م كانت تنتقد عهد عبد الناصر وتري أنه عصر الفساد السياسي والاجتماعي وإظهارالموقف العدائي من الثورة مثلما حدث في ” فيلم الكرنك و فيلم إحنا بتوع الأتوبيس.
فكانت علاقة الرئيس عبد الناصر بالفن علاقة وطيدة. فكان يهتم بالسينما علي وجه الخصوص؛ لذلك قام بإنشاء مؤسسة دعم السينما. وكان يري ضرورة الإرتقاء بها أوالأهتمام بإنتاجها؛ ويرجع أهتمامه بها عندما شاهد فيلم أمريكي الذي لعب بطولته جيمس ستيورات، ولذلك طالب بعرض هذا الفيلم بمعسكرات الجيش؛ لأنه يحكي أن الفرد يستطيع تغييرتاريخ العالم وإيمانه بالدورالذي تلعبة السينما بداية من الترفيهه وحتي التثقيف؛ مما جعله يوافق علي إنشاء المعهد العالي للسينما.
ختامًا للمبحث نصل إلي أن السينما فن حديث مرتبط بظهور الكاميرا والتطورالتقني. وأن علاقة السينما بالسياسة فهي علاقة تبادلية وشائكة، خاصة أن قدرة السينما بشكل خاص علي صناعة الوعي الجمعي و التأثيرعلي الجماهير. تتأثر السينما بما يحدث داخل الدولة، فعندما تنهار الأنظمة الحاكمة تنهار السينما. لابد من وجود إدارة سياسية تعمل علي إعادة تنشيط دور القوة الناعمة من خلال الإصلاح السياسي وبالتحديد في الخطاب الديني مع إعطاء مساحة كبير من الحرية الرأي و التفكير الإبداعي بمختلف أشكاله. وهذا لا يغني عن الدور الذي تقوم به التشريعات في دعم القوة الناعمة من اجل حماية الفنانين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق