حفيدات زنوبيا
قصة قصيرة
30.3.2021
ياسمين تخرجت من كلية السياسة والاقتصاد في جامعة دمشق بتفوق، اختارتها الجامعة للحصول على شهادة دكتوراه...حتى تعود أستاذة في الجامعات السورية الرسمية.
أعجبت ياسمين بالمناهج هناك، وكتب السياسة النظرية، التي تهدف لتأمين حقوق الانسان، وضمان حريات الفرد، وخدمة الوطن والمواطن، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد بجميع اطيافه والوانه.
واعجبت كثيرا بالتاريخ الفرنسي وقصص المقصلة الفرنسية التي قطعت رؤوس المفسدين سارقي الشعب، ومال الدولة من الضباط والطبقة الحاكمة وغيرهم...
اختارت ياسمين اطروحتها تحت عنوان توظيف السياسة في خدمة المجتمع.
خصصت الجامعة استاذاً يشرف على متابعة دراسة ياسمين يدعى الدكتور لورانس، شاب خلوق، وسيم، وأعزب...
كلفته الجامعة بتوجيه بحث ياسمين، بالشكل الذي تبغيه الجامعة...
قال الأستاذ لورانس: من أهم وظائف السياسة، زيادة الموارد الإنتاجية كافة، لترفع سوية كافة الخدمات المجتمعية مثل التعليم، والصحة، والمواصلات، والزراعة، والطاقة،...وبالتالي السياسة وظائفها مقدسة، غايتها الوطن والمواطن.
قالت ياسمين، بالفعل دراسات في غاية الأهمية...
تعمقت ياسمين في الدراسة وأخذت تقارن بين النظرية، وبين الواقع الجاري في العالم.
وجدت الحال مريب، أغلب القادة السياسيين في العالم هم موظفون عند قادة أكبر منهم وغاية الرؤوس الكبيرة، وضع اليد على خيرات العالم.
كانت ياسمين تعاين الكذبة الكبيرة، تتألم وتستاء...وهي تشاهد التناقض الكبير بين النظريات المدونة في الكتب وبين الواقع الميداني الجاري في العالم...
الأستاذ لورانس أعجب بذكاء ياسمين، وياسمين أعجبها لورانس لكن كلاهما أخفيا مشاعرهما عن بعضهما. هي لا تريد الارتباط بعلاقة عاطفية لأنها مصممة العودة إلى بلدها وخدمة بلدها.
لورانس كان يدرك ذاك الاستغراب الذي يدور في خلد طالبته، وكان يقول لها: إذا أردت الحصول على شهادة الدكتوراه، أنت مجبرة على قول الذي هم يريدونك أن تقوليه، ويجب أن تتناسي الواقع الدائر بالعالم، ويقول ايضاً: أنا لا أقدر أن أبوح بما يدور بخلدي، لأنني سأخسر وظيفتي...وربما يسجنونني في سجن لا أخرج منه...
كانت الأيام تمر وياسمين تكتب، وتقارن، وتزداد حيرة وارتباكاً واشمئزازاً.
تعرفت على أصدقاء رائعين، في الجامعة، وخارج الجامعة، وكانت تستغرب لماذا اصدقاؤها لا يحبون التكلم في الشؤون السياسية...لكنها فهمت لاحقاَ، بأن السياسيين القادة في بلادهم، هم مجرد دمى مربوطة بحبال، كالمستخدمة بمسرح العرائس... يحركون تلك الدمى شياطين كبار من خلف الكواليس...
وحكام بلادهم في حقيقتهم هم مجرد خدم جاهزة ومجهزة، لتنفيذ إملاءات شريرة غايتها غزو الشعوب، والسيطرة على مواردها ونهبها...
مرت السنوات وانهت ياسمين أطروحة تخرجها وحددت اللجنة الفاحصة موعداً لمناقشة مشروع تخرجها...
ياسمين دعت اصدقائها لحضور مناقشة أطروحتها...
هي وقفت خلف المنصة الخاصة، مقابل اللجنة مرتدية اللباس الرسمي، حسب البروتكولات الجامعية المتبعة، دلالة على النزاهة والتعفف...
قال رئيس اللجنة بتعال: اطروحتك مستوفية للشروط من حيث الشكل. فلنبدأ مناقشة المضمون.
قالت ياسمين بداية: اسمحوا لي القول: هذه اطروحتي التي تزيد عن خمسمئة صفحة كتبتها يوماً بعد يوم. وحرفاً بعد حرف، كتبتها بمداد جراحي.
أرجوكم دعوني أرتجل اطروحتي بشفافية كما أعاينها حسب الواقع، في الميدان.
عندما رغبت دراسة هذا الاختصاص، لقناعتي بأن السياسة خلقت لتكون الداعم القوي الذي يحمي الانسان، ويحقق العدالة لبني البشر جميعاً، في هذا السياق، أطروحتي هذه مجرد كذبة كبيرة، مجرد كلمات مزيفة، وبالتالي هي مجرد أوراق تليق بها حاوية القمامة، او موقد التنور...
السياسة اليوم، بعيدة عن الحق، وبعيدة عن العدالة،
الواقع، أغلب قادة العالم اليوم، كانوا أو لا يزالون زعماء مافيات، عصابات قتل، وتجار تبيض أموال، ومتاجرة بالمخدرات والممنوعات. وأنتم أغلبكم موظفون عندهم تنفذون إملاءاتهم الدونية، أولئك المنادون بالعولمة الكاذبة، هم ذاتهم صناع أسلحة كسر العظم، لتحقيق مآربهم الشجعة، اخضاع العالم تحت سيطرتهم، وبالتالي هم الذين يتفردون في نهب شعوب الأرض.
قالت ياسمين ماذا تصنع دولكم في بلادنا، ارسلتم لنا الإرهابيين، يذبحون شعبنا كما تذبح النعاج، ويهدمون دور عباداتنا ودورنا، يشردون أهلنا، يسرقون آثارنا وحضارتنا، ويغلقون مدارسنا، ويسرقون خيرات بلادنا...
أنتم فتحتم أبوابكم المحصنة، حتى تستقبلوا أبناء بلدي المشردين... مدعين خدمة الإنسانية كذباً ودجلاً
يا سادة أنتم جزء من المؤامرة الكبيرة على بلادنا، غايتكم تهجير شعبنا خارج وطنهم، واحضار المرتزقة بدلاً عنا، لينهبوا ما تبقى عندنا...وهذا ما تفعلونه بأغلب دول العالم المسالمة والفقيرة وغير المسلحة سوى بالحجارة...
سورية الآن تحارب الإرهاب في حرب استنزاف حقيرة، فرضتموها أنتم علينا، المصيبة هي: عندما يستشهد واحد منا، يموت جزء من جسدنا لا يعوض بمال الدنيا... وعندما يموت واحد من المرتزقة تستحضرون بدلاً عنه عشرات... والغريب انكم تتبجحون بوسائل اعلامكم بانكم تحاربون الإرهاب، بينما أنتم الإرهاب بعينه. .
أنتم لستم سوى مجرد خدم لأسيادكم، اختاروكم لتكونوا أساتذة جامعات تعلمون طلابكم ما يفرضونه عليكم من خلف الكواليس.
جن جنون رئيس اللجنة، وطلب رجال الأمن وهو يصرخ خذوا هذه المعتوهة إلى السجن...
وقف الجميع يصفقون ويهتفون عاشت الحرية...عاش الفكر الحر. عاشت ياسمين، عاشت الدكتورة ياسمين...
جاء رجال الأمن وحاولوا أن يمسكوا ياسمين، أصدقاؤها منعوا الشرطة بالتقدم، قالوا: هذا حرم جامعي لا يحق لكم الدخول إليه أصلاً.
قال رئيس اللجنة: هذه المجنونة لا تستحق، أنت مطرودة واطروحتك مرفوضة.
قالت ياسمين: أنتم ترفضون مطالعتي، وأنا أرفض أن أنال شهادة الدكتوراه من ناس يخدعون ذاتهم، ويخدعون طلابهم، ويخدعون مجتمعهم، ويخدعون اعلامهم، وكل شيء بحياتكم هو كذب وخداع ونفاق.
صار هياج في المدرج، الجميع يصرخون ياسمين تقول الحقيقة. وقف جميع الموجودين يصيحون ياسمين تستحق، ياسمين تقول الحقيقة...وهم يصفقون ويقولون ...عاشت الدكتورة ياسمين...عاشت الحرية...عاشت الكلمة الحرة.
وتحت التصفيق الحاد من الجميع نهض الأستاذ لورانس ووقف اثنان من اللجنة معه، وصاروا يصفقون مع الحضور، ويهتفون عاشتعبده داود الحرية، مرددين ياسمين على حق...ياسمين تستحق شهادة الدكتوراه... ونحن كوننا أعضاء من اللجنة نوافق على منحها لقب دكتوره في السياسة الدولية.
هذا الموقف الشجاع غير المسبوق، أجبر مدير اللجنة على منح ياسمين لقب دكتوره في السياسة الدولية.
رجعت الدكتورة ياسمين إلى سورية لتعطي دروساً بالجامعة، ساعية إلى غرس الفكر السياسي الصالح في عقول طلابها...
قال عنها الأستاذ لورانس متفاخراً، ياسمين علمتني بأن الانسان موقف نضالي، وموقفها المشرف كان بحجم سورية، وهي واحدة من حفيدات الم
لكة زنوبيا العظيمة.
كتب القصة: عبده داود
سورية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق