الخيمة والقصر
______________
عبر السفساف الممتد من الصحراء إلى الخضراء .إلتحمت المروج وشكلت أرخبيل أخصر متماوج حسب تضاريس المكان .و بمحاذاة التلال والقمم الشاهقة التي إلتقت أخيرا على حواشي مزرعة الزيتون حيث تنامت الأشجار على ضفاف نهر تارغلات الذي يشق مدائن الشمال الى أن يصل إلى صبخات طرابلس حيث ظلت الدور والعمائر متشبثة بالصقالات والمجاذيف في انتظار أياد رحيمه تطلق زهانها إلى أعالي السماء .تعطل كل شئ بعد حرب الناتو وإحتمت الناس بالسفساف الذي يحيط بالقرى البعيده ألتى لم تسلم هي الأخرى من ويلات الحرب .اذكر أن والدي يحثني دائمآ أن تظل علاقتي بالقريه في تواصل مستمر لذا أجدني كلما سمحت ظروفي أعود إليها محملا بأسواق خالية من طعم الملح وطاهرة من رائحة السمك الذي يقول عنه والدي مخلوقات ميته. كانت مراتعي ومسارح لعبي وآثار شقاوة لم تندثر .وذات نهار أردت أن أشق الوادي الغويط تدحرج حذائي الأبيض إلى أن أصبح من الاستحالة اللحاق به .بكيت عليه حتى بللت مدامعي الرمل بين قدمي وأنا أحاول إيجاد فكرة توصلني إلى الانحسار أين أستقر الحذاء ..
حتى الغروب لم أجد وسيلة لاستعادته لذا عدت إلى البيت خالي الوفاض .. إنقطعت السبل مع القريه .دخلت الأن مدينة لا يضيع فيها سوى الإنسان .وقد أنفقت أحذية كثيره وأنا أمشي من زقاق إلى زقاق ومن شارع إلى آخر دون ان أعرف أو يعرفني أحد .الناس هناك ملاذهم شاطئ مترامي ورفعة زرقاء وعيون لا ترحم. لكن هناك بعض الأمان قبل أن يشن الناتو حربا أتت على كل شئ. ضاع من ضاع وسقطت البيوت تحت وطأة البراميل .وكست المدينة حلة الحزن والرثاء بعد الثراء ..وجدتني مضطرا أن أعود أدراجبي إلى القريه التي تحملت أنفاسي وأنا صغير ..
السفساف أصبح مقبرة الأحلام لبشر يقعدون أمال على مغارات النفط الذي غير لغة الناس كما غير إيمانهم بالوطن .حتى الأرخبيل الذي كان يطوق خاصرة المدائن أتى عليه الزمن .ولم تنتصر الخيمة على القصر .بل الخيمة نفسها ذهبت إدراج الرياح .وحين قادني الدرب إلى الوادي إستطعت أخيرا بعد أن كبرت أن أصل إلى القاع حيث وجدت حذائي مازال كما هو .لم يتغير منه شئ إلا لونه الأبيض الذي أضحى إلى السواد ..إلتقطه وعدت إلى البيت إلتقاني إبني إبراهيم قبل الوصول ألبسته الحذاء وأنا أقول ..رحلة جديده بحذاء قديم .
______________
على غالب الترهوني
بقلمي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق