السبت، 8 أكتوبر 2022

 نهار الفقير طويل مثل إسباني


طفل يتيم حافي القدمين تتوسطه قدميه خشبة دهان الأحذية! خشبة بالية بالكاد تسند جذعها بقطع خشب معقوفة على ناصية الشارع؛ في أحد جانبيها علبتي جبن فارغة، علبة دهانها الأسود من ببقايا تلف أوراق الشاي؛ أمًا العلبة الحمراء فعجن لونها من بقايا قشور الرمان!

أمًا في جانبها الاخر فرشاة التلميع، شكلت مِن بقايا قطع الاسفنج المرمية بالقرب من محال الاثاث!

يفترش الشارع كل يوم عسى ان يمر بدربه زبون ما يلمع حذائه. طيلة فترة جلوسه الطويلة لم يصبغ عند حد ؛ فرسم بخط يده على قحف بطيخة ألتقطها من مكب الأوساخ لمع حذائك ولو بدمعه!

مرت ساعات الصباح ولم يكترث لها اي احد من المارة !

 في منتصف النهار مر من طريقة رجل مسن وهو عائدًا الى بيته، بيدة اليمنى رزمة الخضار والفواكه و اليد اليسرى أتعبها بحمل كيسين من الشاطر والمشطور و الحلويات!

سرقت عينية عبارة هذا الصبي الفقير؛ فوضع حذائه الأيمن على جذعها المهترئ ونظر الى ساقاه وقدماه النحيفات و أزرار قميصه المقطعة وبنطاله المرقع؛ ذرف دمعة من خدهِ الايمن وألحقها بدمعة اخرى ودموع؛ فسقطت على حذائه تناثرت الى قطيرات ساحت جميعها بلونها اللؤلؤي على حذائه اليمنى!

وقال للصبي: ما أجملها من لمعة صبغت حذائي هذا؛ وكأنها جديدة! 

ولكن يا عم: لم أشرع بتلميعها بعد؛ فأنت زبوني الاول في هذا اليوم الجميل!

بني: حذائي هذا قد لمعتها لي الأيام ولياليها بدهرها الأسود الحالك، شكرًا على كلامك الجميل هذا.

هل تسمح لي أجلس بجانبك؟

تفضل ياعم انه لشرف كبير لي ان تجلس بجانبي.

جلس وأفرغ كيسي وبدا بإطعام الصبي الشاطر والمشطور و حبات العنب وقطع الشوكلاته! 

تناولها الصبي بنهم شديد؛ فمِن شدة جوعه لا يكاد أن يتوقف عن الأكل و لا تكاد دموع المسن التوقف؛ قضمه من فم الصبي ودمعه من عين المسن!

فقال المسن : يابني سأعود قريبًا؛ فقد نسيت بعض الحاجيات في السوق!

 أكمل أنت ما في الكيسين لحين عودتي. 

نصف سويعة وجلب له عدة عمل جديدة مع علب الدهان الجديدة بمختلف ألوانها و ملابس جديدة تليق بعمله! وقوت يومي للصبي يكفيه لشهر كامل.

استبدل المسن قحف البطيخة بلوح رسم جديد كتب به بخط كوفي بارز: ادهن حذائك ليظهر براقًا؛ لمعة شمعة .


علاء العتابي 

الولايات المتحدة الاميركية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

خسرت نفسك

 خسرت نفسك متى خسرت نفسك ضيعت يومك وأمسك محوت ذكراك وإسمك لِتباع في أبخس صفقة متى سرت بهذا المضمار أين جرفك وأخذك التيار ألقيت الطهر في سعير...