قصة قصيرة ليلة مقتل (زهرة)
قالت زهرة :
— أتعرفون كم المجهود الخرافي الذي أبذله الآن حتى لا أُجن ؟؟ وحتى لا أقتل نفسي ؟؟ وحتى لاأقول لكل شيء حي وداعاً ؟؟
(زهرة) تلك الفتاة الشابة ، والتي كانت الأكثر جمالاً ، والأكثر تواضعاً ، وجدت نفسها ذات ليلة قد سُرِقتْ خلسة ، سُرقت بالكامل وسط خدعة سحرية بين أبيها ورجل ما أصبح زوجها بين ليلة وضحاها٠
زوجها يغرقها كل ليلة في بحر من أنفاس متلاحقة سريعةبشكل مقيت ومقزز ،فهي تشعر بجسده يرتجف فوق جسدها كثور هائج تنسحق تحته بلا رحمة حتى تنهار وتنهار ، تصرخ كالطير المذبوح ولكن قبضته الحديديةوالهمجية تجبرها أن تكون حيواناً وديعاً ليس إلا ، أنه رجل غريب عنها وهي معه ، الوحدة تأكل روحها وهو فوقها … تريدأن تغادر جسدها بل وحتى العالم ، وهو يصرخ بها :
— عليك أن تكوني ساكنةمثل الطين …
ألإزدراء يمزق جسدها …يقطع روحها … ويثير غضبها فتذهب أحياناً هاربة الى بيت أبيها الذي باعها هو الآخر لتنشد فيه السلام النفسي كما عهدته قبل وفاة أمها … لكنها تجد أهلها اليوم وقد غادرته السكينة وملأته الفوضى … والألم … والإنحراف ، فيردها ابوها في نفس الساعة إلى بيت زوجها العملاق مصحوبة باللعنات والسباب :
— عودي إلى زوجك أيتها الملعونة الجاحدة
جريحة تعود زهرة لزوجها المتوحش ، لتستلقي على فراشها والألم يشع من بؤبؤ عينيها الساهر الحزين ٠
ألم ومذلة اصبحتا لاتطاقان ، وهي الآن وصلت درجة أن تمنع قلبها من الخفقان ، أو تجعله مشلولاً،٠
يأس حالك ، وغضب عاجز … وسخرية قدر قاسٍ ، كل هذا ولّد لديها سبب يبرر ما تفكر به الآن ٠
اليوم زوجها وأهلها كائنات غريبة عنها ، حشرات ضارة تمتص كل ضوء يبزغ داخل روحها … في البدأ طلبت من ربها أن يأخذ روحها :
— يا الله خُذ أمانتك ……
كل صباح ومساء كان هذا دعاؤها ٠
(زهرة) مجرد أسابيع … ربما أشهر عاشت مع زوجها بنصف سعادة …ثم بربعها … ثم لاشيء منها ، وسرعان ما هامت وسط ألم لايحتمل …وهي بعد أيام أصبحت بحاجة ماسة لألتقاط أنفاسها كل ساعة من مراثون الزواج هذا … ثم غرقت للرأس في بحار اليأس … ثم بات الموت لديها أمراً ، بل أملاً جميلاً، فقد قالت لأختها قبل موتها بيوم واحد :
— ألألم والمذلة … لاحد لها يا أختي … وقد نفذ صبري … ولا حل …
زارتها أختها للتخفيف عن معاناتها بالأمس حيث أنغمستا وكالعادة في القيل والقال … وحكايات الحظ العاثر … ثم تناولتا موت ابيها بعد سنة من زواجها … مات فجأة أثناء نومه ، لم تحزن عليه زهرة ولا أختها قط ،لكن أمام الناس أردتا الثياب السوداء… فقد كان وأخوها قد حوّلاها الى وعاء مرارة عندما باعوها لزوجها بثمن بخس ،باعوها لرجل ذوقبضة حديدية ،ومشاعر متبلدة حد التقزز ، يده غير الرحيمة تجبرها دوما الى القبول بالخضوع والخنوع لأرادة غير مقبولة ، وغير أنسانية على الاطلاق ،فقد كان يتفنن ويتلذذ بإيذاء روحها ، بل تفاخر أمام أصدقاءه السكارى يوما :
— أخترعتُ أساليب تعذيب …كي أُحطم كبرياءها ، وأُهين كرامتها …جعلتها قاب قوسين من الموت ٠
فرد عليه أحدهم :
— ستهرب منك عاجلاً أو آجلاً ، وتذهب لأهلها
هنا قهقه عالياً وقال :
— يجلدونها هناك … وسترجع زاحفة
نعم أهلها وزوجها وفرا لها بطاقة مرور ، وحرية أختيار في ألإنغماس في مركز الهوس بالموت ، ومن هنا بدأت حفرة الموت تتسع في صدرها وعقلها … وإنها لتشعر بأن صدرها مليء بطيور بيضاء محبوسة في قفص داخلها تريد الإنطلاق وفورا صوب السماء المطلقة … حلم أشبه بالوهج يتدفق قي دهاليز رأسها ويدعوها أن تتمرجح في تلك الحفرة …
لبست الأبيض من ثيابها ذات ليلة… وأنطلق صوتها مغنية وكأنها وجدت الخلاص أخيراً… وكأنها حصلت على إجابة مقنعة وواقعية على سؤالها:
— من ينقذني من هذا العالم المدمر ؟؟
هذا البريق المفاجئ ، ورقصتها الأخيرة تحت النجوم … وفرحة لم تألفها منذ زواجها ، قامت خفيفة كالغزال ، فتحت النوافذ لتسمع صخب الشوارع لآخر مرة …
في البداية كان حلماً دون أيّ تداعيات ، ومضة خفية مرت على القلب ،ولكن سرعان ما تضخمت … وإنجرفت كل حواسها لتقبل هذا الأمر في الخلاص … ثم ما لبث أن أصبح حقيقة ملحة للسعادة الضائعة يليق بها ٠
مشت وبكل ثقة ، مرفوعة الرأس نحو تلك الحفرة السوداء بعد أن ربطت حول عنقها حبل أحزانها ثم … ثم مالبثت أن رحلت سعيدة …
(( صباح خلف العتابي ))
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق