الجبل البعيد
الحلقة 13
بعد أن أنجز كمال كافة المعاملات الواجبة لسفر والدته وابنة خالته سعاد اللتان دعاهما أبو نينا وشدد العزيمة عليهما الحضور إلى الدانمارك باستضافته.
قبيل السفر أخذ الهم يتصاعد في فكرأم كمال وركبها الخوف، وأخذت تنوح وتبكي، وتترجى ابنها أن يسافر هو وسعاد إلى عائلته، ويتركها وحيدة في سورية. وكانت تقول برفقة العذراء مريم لن أكون وحيدة. أرجوك سافر يا ابني إلى عائلتك.
كمال رفض الحاح أمه عليه بالسفر، وقرر البقاء في سورية.
وقال امي وحيدة في هذا العالم الصعب وخاصة الحرب دائرة في سورية والقذائف تتساقط من كل مكان، على كل مكان...
لذلك أخذ القرار الصعب، أن يطلب من زوجته الحضور لتعيش في سورية لعدم قدرته هو ترك والدته وحيدة في هكذا أوضاع.
هو كان يعرف بأن أجمل رحلة قامت بها نينا كانت إلى دير مار موسى الحبشي في النبك، وأجمل أيام النبك كانت الإقامة الطويلة في دار أهل كمال الذين استقبلوها بترحاب وخدموها بمحبة حتى تماثلت إلى الشفاء تماما. أثناء اقامتها عندهم نبتت جذور حب كمال بقلبها، لكنها بقيت كاتمة سرها حتى لا يتعذب حبيبها بعد عودتها إلى بلادها.
هو أيضاً حبس عواطفه الجياشة ولم يصارحها بمكنونات قلبه، لعلمه عدم قدرته على اللحاق بها إلى بلادها.
لكن بعد أن حاز هو على منحة جامعية في جامعة كوبن هاجن، سافر والتقى الحبيبان مع بعضهما البعض وكبرت ونمت جذوة الحب بينهما وتوجاها بالزواج الكنسي والمدني...
سعاد اختلفت مع فادي عريسها في سورية الذي مانع بشدة موضوع سفرها إلى الدانمارك، بعدما قررت أم كمال بشكل نهائي رفض سفرها وترك دارها التي تعتبرها المكان الوحيد القادرة أن تعيش فيه، حيث يعيش فيها المرحوم أبو كمال في كل زاوية من زوايا البيت.
سعاد في الحقيقة رغبت في السفر إلى الدانمارك، بعدما عرفت بموضوع السورين الذين التجؤوا إلى السويد هربا من الحرب المجنونة التي يشعلها الارهاب في سورية.
تهديم منازل السكان وتهجيرهم، وقذف كل مكان بصواريخ الموت، وعلى الأبرياء في كل مكان...ناهيك عن التفجيرات هنا وهناك وقتل الأبرياء، حتى إنهم حفروا تحت أرض سورية، سورية ثانية وحشوها بالصواريخ وقذائف الموت وجعلوها ارض موت، بدل أرض حياة.
سعاد في الحقيقة قررت السفر من سوريا إلى الدانمارك ومنها سوف تطلب اللجوء إلى السويد، طالما السويد تحتضن اللاجئين السورين الفارين من مرتزقة الإرهاب...
سافرت سعاد واستقبلتها نينا وأهلها بالترحاب الشديد وقد أدمى قلب نينا عدم حضور كمال زوجها هو ووالدته إلى الدانمارك.
بقيت سعاد باستضافة نينا وأهلها لمدة أسبوع، وذهبت بعدها إلى السويد وطلبت حق اللجوء الإنساني هرباً من الإرهاب الذي تقوده دول عظمى غايتها الاستيلاء على البترول والغاز السوريين، وعلى خيرات البلد وممتلكاتها. ولولا مساعدة دول شريفة لنا كانت سورية بالفعل سقطت بلا عودة.
استقبلت السويد اللاجئة سعاد واحتضنتها وقدمت لها السكن المناسب والطعام، وخصصوا لها راتبا شهريا لمصروفاتها الشخصية...
وقذ تعرفت هناك على العديد من السوريين الفارين من بلدهم. والملتجئين إلى السويد، وإلى أغلب الدول الأوربية وخاصة إلى المانيا وهولندا وبلجيكا، وغيرها من الدول.
كمال كان يتعذب لأنه بعيد عن عائلته في الدانمارك وقد اشتد به الحنين إلى أبنته وزوجته، ولم يكن بيده حيلة، والدته ترفض الذهاب إلى الدانمارك، تهجر بيتها وتترك خلفها تاريخ حياتها لتعيش غريبة على ارض غريبة، بدون أصدقاء ودون قدرتها على التعلم لغة جديدة وهي بهذا العمر، بعد أن شاخت ذاكرتها كثيراً...
كما ستتعذب بعيداُ عن بيتها واختها واقربائها واصدقائها وكل تاريخ حياتها في وطنها.
كمال رفض ضميره أن يترك امه بمفردها في سورية الجريحة، تتعذب بعدما فقدت زوجها حبيبها وشريك عمرها، الذي تركها وغادر إلى الأخدار السماوية، وكانت تصلي له ليل نهار حتى يرحمه الله ويسكنه في فسيح جناته... وكم كانت تناديه في صمتها أن يأخذها إلى جانبه في العالم الآخر.
لم يكن سهلاً على لينا أخذ قرار السكن في سورية وخاصة من أجل صحة أبنتها فالأمور مختلفة جداً في سورية...الحياة صعبة، والكهرباء شبه معدومة، ولا توجد خدمات صحية حديثة ولا ماء ساخن دائم، الحياة مختلفة جداَ بين الدانمارك وسورية...
نينا كانت تبكي، وأهلها يبكون، لعدم رغبتهم سفر ابنتهم إلى سورية.
وأم كمال تبكي لعدم رغبتها السفر إلى الدانمارك، وكمال كان يتعذب من الوضع الصعب المؤلم برمته...
والاستاذ الذي كان خطيب سعاد كان حزيناً لأن سعاد تركته وهاجرت إلى السويد...
تمر فترات وربما سنوات طويلة في حياتنا قاحلة.
كاتب القصة: عبده داود
إلى اللقاء بالحلقة 14
الحلقات السابقة للراغبين تجدونها في "مجموعة رواياتي"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق