خطيبتي أنا من تكون؟
بقلم/ أحمد عيسى
سَرَى إلى "هشامٍ" مزيجُ شعورٍ من الذنب والحيرة، بعد أن غَشِيَ للخِطبة ثلاثة بيوتات، وجالس ثلاث فتيات في أسبوع واحد، مُنهياً لقاءاته الثلاثة بأن صلاة الاستخارة هي التي ستؤلف بين الأفئدة والألباب، أو تحول بين الاقتران والاقتراب.
وذات ليلةٍ، أحس "هشامٌ" بأرقٍ وقلق، وشَعَر بحاجة ماسّة إلى الصلاة والدعاء، فقصد قُبيل الفجر مسجداً، كان قد سمع ابتهالاته إيذاناً بانبلاج صباحٍ جديد، فصلَّى تحية المسجد وسُنة الوضوء، ورغيبتي الغداة، ثم أدى الفريضة جماعةً.
وبعد أذكار الصلاة نهض "هشام" للإياب، إلا أنه ألْفَى إمام المسجد، وكان شيخاً مُكاشَفاً مُسناً، يبتسم له ابتسامة من نُورٍ كست وجهه، وتهللت لها لحيته، وأشار الشيخ إلى "هشام" أن أقبل واقترب.
هشام: السلام عليكم سيدي ورحمة الله وبركاته.
الشيخ: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
هشام: مُرني مولاي.
الشيخ: ما لي أراك تبدو حيرانَ مُسهّداً؟
هشام: أمامي ثلاث عرائس، ولا أدري بمن منهن أرتبط.
الشيخ: إن المنبت لا أرضاً قطع.. ولا ظهراً أبقى!
هشام: ماذا؟
الشيخ: صِف لي العرائس الثلاث.
هشام: الأولى صاحبةُ دينٍ وفِكر، وأدبٍ وعِلم.
الشيخ: وما يعيبها؟
هشام: فاتها الجمال، وتناسق البنيان.
الشيخ: والثانية؟
هشام: ذات حُسنٍ وبهاء، ونضارة وجهٍ ورُواء.
الشيخ: وما يضيرها؟
هشام: تواضع علمٍ وثقافة، وشيء من زَهْوٍ وصَلافة.
الشيخ: والأخيرة؟
هشام: وسط بين صاحبتيها، في الأسرة والمال، والأدب والجمال، والثقافة والبيان.
الشيخ: وما يشينها؟
هشام: تواضعُ حَسَب، وانغمار نَسَب، وسُمْرة بَشَرَةٍ وشيء مِن قِصَر.
الشيخ: إلى أيهنّ يصبو قلبك ولبك.. ويرنو عقلك وفكرك؟
هشام: لا أدري؛ لذلك أنا حائر لا أعرف إلى أين أمري صائر؟
الشيخ: أما الأولى فليست لك، هي لعالمٍ، أو مفكرٍ، أو أديب، أو لطالب علمٍ وأدبٍ وفكرٍ أَرِيب.
هشام: والثانية؟
الشيخ: لا تناسبك كذلك، فهي لنخَّاسٍ مفاخرٍ، يباهي باللواحظ والعيون، والشُّعور والصدور، تَسبيه القَسَامة، وتستعبده الوَسَامة.
هشام: إذن أخطب الأخيرة؟
الشيخ: الثالثة والأخيرة، من نصيب راضٍ غير ساخط، وحامدٍ غير ناقد ولا ناقم.
هشام: هل أبحث عن غيرهن؟
الشيخ: لن تجد أحسن منهن، وهل تنكح النساء إلا للدين والجمال والمال والأحساب والأنساب؟
هشام: زدتني حيرة، فلترشح لي عروساً منهن أو من غيرهن.
الشيخ: قلت لك: لَسْن لك.. ولستَ لهنّ.
هشام: وخطيبتي أنا من تكون؟
الشيخ: حين تكفّ عن زيارات الآنسات، وتُقلع عن الموازنات، وتتوب من المقارنات، وترضى بمن تكون لك عدلاً ونِداً، ديناً وخلقاً، حسباً ونسباً، فكراً وعلماً وأدباً، قواماً وشكلاً وقدّاً، ومن قبل ذلك كلِّه تأنس بها رُوحاً، ونفْساً، وقَلباً.
هشام: هل أمتنع عن الرؤية الشرعية للفتيات؟
الشيخ: أقلع فوراً عن تسلٍّ بالآنسات، وحين تسمع عن ذات كفاءةٍ لك، وتوقن حقاً أنك ذاهب لا للخِطبة لكن للزواج، اخطب حينها مَن إن رأيتها هفا قلبك، وسمت نفسك، وخفقت روحك، مَن إن ابتسمتْ أحسستَ بضحك الكون لبسمتها، والتماع النجوم لهمستها، وابتهاج القمر بدراً بطلعتها، وإشراق الشمس باسمة لمقلتها والتفاتتها.
في طريق "هشام" إلى البيت وحين شرع يستدعي نصيحة الشيخ ويسأل نفسه: هل من أمارة بيِّنة يعرف بها من تكون خطيبته؟
مرَّت به سيارة كان الراحل عبدالحليم حافظ يغرّد من مذياعها هزِجاً لأنه وجد بُغيته:
"هي دي هي فرحة الدنيا
دق يا قلبي غني يا عنيه
ابتسامتها ويا رقتها وردة بتفتح يا حلاوتها
وأنت يا قلبي ياللي حبيتها أدي نظرتها لسه في عنيه"!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق