الثأر
بقلم الأستاذ السهلي ابراهيم
ـــــــــــــــــــــــ
الهاتف يرن لا من مجيب... يعاود المتصل العملية مرارا لكن بدون جدوى، لا أحد يرفع السماعة..
طيلة اليوم بكامله وضوضاء المكالمات الواردة تدوي صخبا من داخل بيت عثمان فقد تأخر اليوم عن العودة للمنزل.. بينما يضع المفتاح في قفل الباب امتزج صوت رنين الهاتف بصوت أمي خديجة جارته تناديه: أين تأخرت يا بني وصوت الجهاز من الداخل ينادي، يبدو أن المتصل على عجلة من أمره، أغلقت النافذة وابتلع الصمت حفيف صوت أمي خديجة،..
عبر عثمان الباب مسرعا نحو الغرفة، استطلع سجل المكالمات الواردة، جهة الاتصال واحدة، منزل والديه، استشعر أمرا غريبا من هذا الكم من المكالمات الواردة، دبت القشعريرة في جسده وأضحى من الخوف يرتجف ويده ترفع السماعة لتجري أول اتصال ليستطلع الأمر...
ربط خط الوصل بالمنزل عبر الأثير وهو يضع السماعة على أدنه:
صوت رخيم مثقل بالحزن يهمس من بعيد
لقد قتل أبونا غدرا
عفوا لم أسمع جيدا؟
لقد قتل أبي؛ قتله ابن الحاج اسماعيل
سقطت السماعة من يده وقد خارت قواه ولم يعد يقوى على حمل ثقلها، انهمرت سيول الدمع تتدفق من عيونه ترسم الوجع وهي تتراقص قطرات على خديه، الوجع والألم انسل لروحه وغدت كئيبة تعتصر غيمة من الألم، تكبدت غيوم الحزن واكفهرت سماء المشاعر وتلطخت بألم الفقدان ومرارة الفراق الذي لم يكن له في الحسبان...
خر على ركبتيه يبكي وينوح أبيه الذي رحل دون أن يكتمل الحلم الذي رسماه، وهم يستطلعون لغد أفضل ومستقبل زاهر لإخوته الصغار، الأب يكد في القرية وعثمان يسارع الزمن في المدينة ليوفر المال الكافي لاقتناء بيت في المدينة يأوي كل أفراد الأسرة الصغيرة...
تكسر الحلم بموت الأب وانتصبت الرغبة في الثأر لموت أبيه واشتدت نيران الغضب واتقد لهيبها، استجمع قواه، أدرك أن البكاء والنحيب لا جدوى منه، كل دمعة تسقط يجب أن تكون رصاصة قاتلة في قلب القاتل الذي غدر بأبيه، شرف العائلة على المحك، الدم يسقيه دم أو يزيل أثره دم آخر، لا مناص من الثأر لموت الأب هكذا هو حال القوم،...
ركب السيارة مسرعا نحو القرية التحق توا بموكب الجنازة ونبع الحزن الجاف ينهمر سيلا من عينيه، الدموع جفت من الندى فغدت كحبات البرد تتساقط تخلف ورائها كدمات من الحسرة على خدود الوجه...
لم يكن العزاء الذي يقدمه الجيران والأهل يخفف من الوجع فقد كانت حمم الثأر تخفق بجناحيها على قلب عثمان وتشد من عزمه، سطوة الثأر تلف مخيلته وجموح الإنتقام يتزايد كلما أقبل أحدهم لتقديم واجب العزاء.. أعد عثمان عدته للثأر، أودع أخوته الصغار عند صديق له في مدينة الدار البيضاء وعاد للقرية يبحث عن قاتل أبيه، شحن بندقية الصيد وراح يتجول بين الحقول ليصطاد طريدته، وماهي إلا أيام قليلة حتى أسقط طريدته برصاصة قاتلة، وقف على الجثة وهي تسبح في بركة دم وقد أسلمت الروح لبارئها، يتلو تراتيل الوفاء لدم أبيه، استشرب طعم الحرية حين أطلق الرصاصة واستقرت في قلب طريدته، أخد خراطيش الرصاص وغادر يبحث عن طريدة جديدة تاركا وراءه رسالة كتبها بدم طريدته على الصخرة " الدم لا يغسله إلا الدم والبادئ أظلم"...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق