لغة الأندلس
الجزء الثالث 3
عشية عيد الميلاد، الذي رآه الطلبة السوريون برفقة ماريا وروزا في الشوارع، حدث يصعب وصفه، الناس تموج في الشوارع، يرقصون، يغنون، يتغازلون، يأكلون ويشربون...
الجميع يعيشون الفرح ...كل بطريقته يعيش حياته الخاصة بحرية تامة
أيضا الشوارع كانت تعج بالناس المؤمنين الذاهبين إلى الكنائس... حيث تراتيل الكنائس تشارك وتنادي المصلين للصلاة، وهي تعزف التراتيل والألحان الرائعة، حتى الأضواء تتراقص في كل مكان، تزين أشجار الشوارع وتشكل لوحات مبهرة للناظر...
بكت هدى وقالت: يا حسرتاه، غاب العدل في العالم،
هنا يستهلكون الكهرباء بدون حساب، بينما في سورية يتعايشون مع الظلمة والتقنين المخجل... حتى إنهم يتعذبون من البرد القارس، دون تدفئة بسبب نقص المحروقات والغاز، والغلاء الفاحش المخيف الذي يسببه تجار الأزمة مستغلين غياب العدل...أو ربما يتعاون رجال العدل معهم...
وافق الجميع على مقترح روزا زيارة كنيسة سان فرنسيس والمشاركة في صلاة الميلاد...
تلك الكنيسة تعتبر من أكبر كنائس مدريد وأعتقد أقدمها، وقد تكون قبلة عشاق الفن الكنائسي القديم في العالم
سمير اعتذر عن دخول الكنيسة وقال بانه مسلم وسيزور جامعا سيجده لاحقاَ..
قالت روزا: عجبا يا صديقي، جميع الكنائس والجوامع هي بيوت الله، وأي مكان يؤمن بالخالق الواحد لهذا الكون اللامتناهي... هو مكان مقدس.
قالت ماريا: المؤمنون يمكنهم الصلاة في أي مكان، المكان المقدس الحقيقي، هو قلبك وفكرك، الصلاة هي الحوار الصامت المباشر بين المصلي وبين خالقه...عبادة الروح بالقلب هي التي يطلبها الخالق....
سمير لم يجاوب...
قال فارس: لا بأس سمير ولا يهمك، سنجد لك جامعا تصلي فيه، انتظرنا حتى نخرج من الكنيسة.
تزين فسحة الكنيسة، مغارة كبيرة ترمز إلى المكان الذي ولد فيه الطفل يسوع المسيح، مثلوها بشخوص تحكي قصة الولادة المتواضعة للملاك المرسل من قبل الرب.
العيد بالنسب للأطفال هو فرحة تعطيل المدارس، عيد الهدايا، والمأكولات الطيبة التي يحضرها بابا نويل، والمراجيح والألعاب في مدينة الملاهي، ومسرح العرائس، وغيرها الكثير،
أما بالنسبة للكبار هو عيد تجديد وفاء المؤمنين الحقيقين ليسوع.
المسيحيون يؤمنون بأن يسوع جاء للأرض سفيرا من السماء يحمل معه الديانة المسيحية تحت عنوان المحبة
قال يسوع: احبب قريبك كما تحب نفسك،
كذلك المسيحية هي دعوة توبة عن الخطايا وإبقاء الفكر سليما نظيفا حتى يبتهج الروح ويضيء قلوبنا، وعندها نشعر بالفرح الحقيقي، والسعادة التي لا تنتهي طالما نعيش في النعمة
سمير كان يعيد تلك المفاهيم بذهنه، ويقول الرسول (ص) تعاليمه مثل تعاليم يسوع المسيح عليه السلام، لماذا نحن نختلف مع النصارى إذن؟
خرج أصدقاء سمير من الكنيسة، تفاجئوا سمير يرتجف من شدة البرد، ولون وجهه أزرق اللون...
قالت ماريا: دعونا نجد مكاناً دافئا نحتسي فيه بعض المشروبات الساخنة...
تأبطت ماريا ذراع فارس، وتأبطت روزا ذراع سمير، ومشى الموكب وكانت هدى خلف الجميع، وهي تغلي كالبركان قبيل أن ينفجر ويقذف حممه... ولو أمكنها لخنقت ماريا وخنقت فارس حتى الموت...
لكنها كانت تهدأ من روعها، وتتماسك، وتستجر قوة من ضعف، وتتظاهر عدم اكتراث رغم الفوران في داخلها،
وتعاتب ذاتها: من هي هدى حتى تحاسب فارس على صداقاته؟ أنا لست حبيبته، لست خطيبته، لست زوجته، وفارس لم يوجه لي أي كلمة تشير إن قلبه يميل لي...أنا اخترته، وأنا جعلته حبيباً لي، وأنا رسمت طريق الحب المشترك بيننا حتى يصل إلى عش الزوجية...أنا التي تخيلت كل هذا، وفارس لم يكن موجودا في أحلامي التي رسمتها أنا...هو لم يعاينها، ولا حتى سمع بها...
ضحكات المجموعة كادت تصل إلى السحاب وهم يتنقلون من شارع إلى شارع ويزورون المقاهي كلما تعبوا، وحدها هدى كانت بعيدة عن ذلك العالم. وتعذب ذاتها...
لاحظت روزا بأن سمير لا يأكل من لحومات المطاعم فقالت له: في الجامعة يوجد جامع وطعام مخصص للمسلمين، فيه لحوم مذبوحة حسب الطريقة الإسلامية أتمنى لك صلاة مقبولة وطعاما شهيا...
بزغت الشمس بألوانها الساحرة، قالت ماريا نحن الآن في أشهر ساحة في مدريد، اسمها ساحة الشمس (بلازا دل سول) هناك مقهى جيد تعالوا الآن نتناول شرابا ساخنا ونتناول بعض المعجنات والحلويات... شراب الشوكولا الساخنة هنا لذيذ المذاق، والفطائر الساخنة هنا شهية....
فور دخولهم ذاك المقهى، جاء نادل وسيم الهيئة مسرعا يستقبل القادمين، وحضن ماريا وصارا يتبادلان القبل...
قدمت ماريا الشاب وقالت هذا خوسيه خطيبي، سيتخرج طبيبا هذه السنة...
ثم قالت غدا سنذهب إلى الأندلس لزيارة أهلنا، تعالوا معنا وستزورن قصر الحمراء أهلي سيفرحون بكم. وأنتم ستزورون إشبيلية.
كتب القصة: عبده داود
إلى اللقاء في الجزء 4
الحلقات السابقة على جدار صفحتي للراغبين