السبت، 8 مايو 2021

يوميات مضيفة طيران.....ج١٤..... عبده داود

 يوميات مضيفة طيران

أحداث بعد الخطوبة

الجزء 14

حفلة خطوبة  سحر ولويس في المطار كانت، لطيفة  عفوية، جميلة وبسيطة، شارك فيها أغلب الموظفين المناوبين في المطار، غنوا  ورقصوا ودبكوا، وزغردت الصبايا وخاصة دلع،  وبعدها هنأ الحاضرون صديقتهم وفرحوا لفرحتها، والواقع العروس تحب الجميع، والجميع يحبونها... 

بعدما غادر الجميع. قال لويس باستخفاف كلمات جرحت قلب سحر وادمته بعنف لأنه  قال: الفرق كبير بين خطوبتنا أنا وجورجيت، وبين هذه الخطوبة الهزيلة...

خطوبتي أنا وجورجيت كانت خطوبة ذات شأن، كان الناس غير مستوى، والمأكولات غير مستوى، ثم ما هذه الألبسة التي شاهدتها اليوم؟ أظن أغلبها ثياباً مستعملة من البالة...

كادت سحر تنفجر، وسحبت محبسها وكادت ترميه في وجه لويس، لكنها تمالكت نفسها، خشية فضيحة ستجرح الجميع... وقالت بعصبية شديدة: زملائي فقراء  لا يملكون المال، لكنهم يملكون المحبة، يملكون قلوباً من ذهب... وهم ليسوا مرضى في عقولهم،  وقلوبهم خالية من الجنون...أصدقائي لا يملكون الذهب لكنهم هم الذهب الحقيقي...

قطع حديث العروسين أبو سحر،  جاء يدعو  لويس  حتى يتناول وجبة العشاء معهم...

العروس اصيبت بجروح دامية من تعليقات خطيبها السخيفة، وبالاستغراب من أهلها باستقبال لويس بحرارة، ربما هما يتظاهران بالقبول والرضى؟ ربما أحسا بالندم على وقوفهما سداً منيعاً ارهابياً، امام وظيفة ابنتهما في الطيران، ولا يريدان أن تتكر ، بأن ابونا ميشيل وأختها هدى اقنعا والديها بالا يتدخلا في موضوع ابنتهما لأن ارتباطها مع لويس حتمي،  وقالا لهما كونا  معها تكسبانها، وإذا عاندتماها، تخسرانها...

 سحر تعرف أبيها كم هو عنيد وعقله لا يستقبل غير الساكن في فكره... لكن خوفه من فقدان ابنته، جعله يرضى ولو على مضض أن يسير مع التيار لا بعكسه... 

تصدر أبونا ميشيل رأس طاولة العشاء، بارك وشكر الله على نعمه وخيراته وحسن تدبيره، متمنياً للعروسين  التوفيق والنجاح...

تشكر لويس الأبونا وقال: الحقيقة  ضاقت بي الدنيا بعد وفاة المرحومة زوجتي، وباتت الظلمة تعيش في قلبي، لم تعد الشمس تنير نهاري، ولم يعد القمر يضيء ليلي...عندما أكون مع اولادي ابكي على فقدان من غابت عني وعنهم، وعندما أكون خارج البيت أكون تائه الفكر عند اولادي  الذين فقدوا من ترعاهم...غرقت عيون أم سحر بالدموع وقالت ليتمجد عذابك يا ابني...

تابع لويس القول، الله وحده يعلم كم تغير حالي عندما صادفت ابنتكم سحر، التي ملأت قلبي بفرح  لم أكن لأتوقع أن أجده يوماً في حياتي بعد زوجتي، وكنت على يقين بانه لن توجد  امرأة تقبل برجل مثلي عنده أربعة أطفال جميعهم بحاجة إلى الرعاية... لكن سحر، سهلت لي هذا الأمر الصعب، ابنتكم انسانة رائعة حقيقية، أفهمتني سر الزواج الذي تؤمن هي به بالفعل هو سر غاية في الروعة، ومن الغريب اليوم نجد من يحاول  تخريب هذا  السر العظيم... ويدعون الى زواج المساكنة التافه.

كان الجميع يصغون الى لويس...ما عدا خطيبته التي كانت تتألم، من الذي سمعته بالمطار، وكم تمنت لو تخلع المحبس من يدها وتقول إلى لويس أرحل إلى جورجيت، أنا سحر لن أكون الزوجة الثانية، لن أكون (الجسد التكسي) التي تحمل روح غيري...    

سألت أم سحر لويس، عفواً يا ابني، كيف تدبر أمورك مع الأولاد؟

قال، ربنا يدبرنا...

بالمناسبة أتمنى أن تقبلوا عزيمتي على الغذاء غداً، باعتبار سحر عندها عطلة، ستكون معنا وستتعرفون على الأولاد...والأولاد سيتعرفون عليكم... 

وتابع لويس الحديث قائلاً: أنا تفاهمت مع سحر باننا لن نخبر الاولاد في البداية، بان سحر ستكون زوجتي، انما  ستكون صديقة لهم ومعلمة لهم، حتى تكتسب محبتهم في البداية... 

قال ابونا، وربما  ام سحر وهدى تكثران من التردد على زيارة بيتك، والمكوث مع الأطفال، حتى يألف اولادك   وجود أهل سحر في المنزل، وسحر كلما كان عندها فرصة تأتي وتلاعب الأولاد... وخاصة بان بيت جدهم الآخرين  لا يترددون كثيرا عليهم...

 في اليوم التالي لبى الجميع  الدعوة على الغذاء... ام سحر  قبلت الأولاد بمحبة ودموعها  تترقرق في عينيها، حاولت سحر أن تلاعب الأولاد بالأرجوحة،  لكنهم أخذوا بالبكاء، لذلك ابتعدت ووقفت بجانب هدى صامتتان...

منزل لويس فخم في منطقة جميلة في دمشق، عبارة عن فيلا  تحيط بها حديقة واسعة، تزينها أشجار  وارفة، وورود وياسمين.

قال لويس، تفضلوا حتى تتعرفوا على المنزل في الداخل...

المنزل كبير مؤلف من طابقين يربط  بينهما درج داخلي جميل،  تجولت العائلة  في المنزل الواسع، ثم جلسوا في غرفة الاستقبال بالطابق الأرضي مبهورين بجمال المنزل، سحر كانت عيناها تسرقانها الى صورة كبيرة معلقة على الجدار وعليها شريطة سوداء، ادركت جازمة بأنها  صورة المرحومة  جورجيت أم الأولاد...

 قالت سحر بذاتها: من الصعوبة بمكان أن أحتل بيت المرحومة هذا، كونها لا تزال حية فيه، كيف أسرق زوجها وأسرق أولادها؟  كيف لي أن أكون في هذا المكان الصعب؟ كيف سأنام على سرير لا تزال تفوح منه رائحة عطرها...لماذا يا ألله وضعت في طريقي هذا الانسان الذي ملأ قلبي غبطة وحباً، وأيضاُ الماً وعذاباً، كانت دموعها تسيل على خديها لأنها أدركت بأنها ستفشل في   التعايش مع هذه الازدواجية المركبة المستحيلة، كيف تعيش مع امرأة رحلت، ولكنها لا تزال موجودة في قلب الرجل وفي بيته، وفي تفاصيل حياته...

 وصل الأبونا ميشيل وقف الجميع يستقبلونه... 

بعد الغذاء استأذن الأبونا بالذهاب للضرورة، استأذنت سحر وقالت أنا سأذهب مع الأبونا...عندي بعض الالتزامات الخاصة...

   قالت سحر يا أبونا اكتشفت بأنني تسرعت جداً في هذا الاختيار... 

أستغرب الأبونا الأمر بشدة، وسأل هل هم الأولاد؟ 

قالت سحر لا، ليسوا الأولاد، إنما هي أم الأولاد، أمهم لا تزال حية في بيتها وقاطنة في قلب خطيبي، وهو يرفض أن يدعها ترحل...

قال الأبونا: هذا أمر طبيعي يحدث وخاصت المرحومة كانت حبه الأول... لكن اعتقد بعد فترة  سيتلاشى هذا الحنين... 

قالت: يا ابونا صدقني  لويس لا يزال يعيش في الماضي ويرفض الحاضر...يعيش معي أنا، وقلبه معها هي، يمسك يدي أنا، وكأنه يمسك يدها هي...يكلمني وكأنه يكلمها هي،  لويس ألبسني ثوب جورجيت وبدل أن يتوحد معي، وحدنا أنا وهي معاً، جعلني أنا الجسد الذي يحمل روحها هي...

ارجوك يا أبونا انقذني من هذا الانسان المريض، أنا لم أعد احتمل، وأخشى  أن يتحول حبي له إلى شفقة عليه...

قال الأبونا:  الماضي رحل ولن يعود...أنت  ستكونين الحاضر وأنت ستكونين المستقبل...كوني حكيمة...يا سحر، اصبري قليلاً  وسوف تتغير هذه المخاوف وخاصة عندما تتزوجان سوف يدرك بأنك أنت الحقيقة، وهي الوهم...

قالت سحر، لا أعتقد بان لويس قادر على وضع حاجز بين ماضيه  وبين حاضره... 

قال الأبونا يجب أن نتريث بعض الوقت حتى نرى، بالتأكيد سيتلاشى الماضي،  اكيد الأيام كفيلة بحل هذا اللغز الصعب، اصبري يا ابنتي، لا تدوم في النهاية غير الحقيقة، جرح لويس عميق.  لكن حبك الكبير له سوف يجعله  يندمل وسوف يعيش الحاضر...


كاتب الرواية: عبده داود


الى اللقاء بالجزء 15

الراغبون بقراءة أجزاء سابقة تجدونه مجانا في:

( مجموعة يوميات مضيقة طائرة)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

في ليلة بقلم عمر طه اسماعيل

 في ليلة..  ساد الهدوء..  واقبلت..  وكأنها..  مرّت..  على قلبي.. مشت..  الشوق يحرق مضجعي..  وعيونها..  حكاية ً..  لناظري..  قد ادهشت..  عانق...