السبت، 27 مايو 2023

جبر خاطر

 قصة واقعية 


جبر خاطر


...

 مرتضى طفلٌ في التاسعة من العمر

صاحب بشرة سمراء وعينين كحيلتين، 

في صباح يوم بارد استيقظ مبكراً، بدأت أمه ترتّب ملابسه وقالت له وهي تمسد شعره :

أصبحت كبيرا ياقرة عيني. وراحت تتأمل وجهه الشاحب المدفون خلف شلالات الوجع، وعيناها غائرتان في لجّة التعب تحكي مرارة وقسوة الحياة. وكأنها ترى أحلامها تتقهقر وتتهاوى وتأخذ في دورانها مرتكزة على نقطة وهمية حول دائرة الإحباط، دبيب اليأس يغزوها يوما بعد يوم فتتجرع كأس الألم دفعة واحدة، تهدهد أفكارها الحزينة نوتات الوجع. عازفة على أوتار الصبر سمفونية لا صدى لها كأنشودة بحارة استسلموا لضياعهم في وسط بحر متلاطم الأمواج.

حاولت إقناعه بعدم الذهاب إلى المدرسة ، لكنّ محاولاتها باءت جميعها بالفشل.

يا أمي، أرجوك دعيني أذهب أنا احبّ المدرسة ورفاقي والمدير..

لك ذلك يابني 

ذهب بخطواته المتثاقلة.

وبقيت متسمرة في عتبة باب البيت تراقبه بنظراتها بين الفينة والأخرى يلتفت إليها و يومئ إليها برأسه الصغير.

وما إن وصل جلس على صخرة مركونة بجانب باب المدرسة وعيناه مفتوحتان تراقب الجادة.

اليوم في ساعاته الأولى كانت أشعة الشمس تغازل بقايا قطرات الندى،

نظر إلى السماء تنهد بتنهيدة حزن وشكوى.

كانت لحظة الانتظار طويلة بالنسبة له رغم قصرها. بدأ قدوم الطلبة والمعلمين بتزايد ضحكاتهم وصخبهم يملأ المكان .

 و في هذه الأثناء ركن مدير المدرسة سيارته وما إن ترجل منها حتى رأى مرتضى جالساً على تلك الصخرة. نظر إليه بقلق دفين. 

بني لِمَ أنت جالس هنا؟ تأخرت علي كثيراً يا أستاذ.

لماذا لم تلعب مع زملائك .

رد عليه بصوت خافت:

 يا أستاذ لم تعد لدي رغبة في اللعب لٱ طاقة لي على الجري سريعاً.

كان يصغي إليه بكل حواسه، 

حسناً لٱ عليك ياولدي ربت على كتفه ومسح رأسه

أستاذ مهديالمحنا؛ حلو المعشر شيق الحديث طيب القلب لٱ تفارقه الابتسامة .

مسك بيده وأخذه لغرفته، أجلسه بمقعد المدير،وبدأ يشاركه طعام الفطور بكل هدوء يداعبه ويمازحه،يالتيني أستطيع أن أرسم على شفتيك ابتسامة فرح لا تغادر قلبك وروحك،

وهو يطالع تفاصيل ملامحه البريئة. 

بعد فترة وجيزة من بداية اليوم الدّراسي واستقرار الطّلبة في صفوفهم دخل بزيارة مفاجئة المشرف المتابع.

أدّى التحية، رحّب به مدير المدرسة أهلا وسهلا أستاذ غانم 

جلس قبالتهم يرتشف قهوته وكثيراً من الأسئلة تجول بخاطره لم يجد لـها إجابة إلا في نهاية الزيارة.

شدّ انتباهه جلستهم والعلاقة فيما بينهم فراح يسترق النظر ويلاحظ ما يقوم به المدير. بترتيب قبعة الطفل ورفع أكمام قميصه، ومسح بقايا الطعام من فمه بلطف ولين.

ثم قال هل أكملت فطورك ياولدي:

أجابه بحياء وخجل نعم أستاذ

فقال له لٱ تنسى يا صغيري كل يوم سأنتظرك على الفطور وأودعه إلى صفه بكامل الحب .

وبعفوية سأل المشرف:

سيدي هل هو إبنك؟ 

فكانت إجابته مع انسياب دموع محبوسة بين الجفون، كفكف دموعه

هو أحد تلامذتي مصاب بمرض السرطان ويأخذ الجرعات الكيمياوية وبدأ شعر رأسه يتساقط وحرصا مني على أن لا يترك المدرسة وهو يتعالج من هذا المرض اللعين. أريد أن تبقى الإبتسامة على ملامح وجهه وهو بين زملائه لحين مايشاء الله .

صمت ثم نطق وهو مختنق بعبرته 

أنتهت الزيارة الًيَوُمًِ علمتني درسا لن أنساه ما حييت.


حيدر الفتلاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بين الجدرلن بقلم عمر طه اسماعيل

 بين الجدار وذا الجدار حكاية  وحكاية وخواطر ورواية وتدور من حولي الحروف فأنتقي  بعض التي تجتاح قلبي جمرة وتحط في سطري القوافي كلما  زار الحن...