رسائل العشق الممنوعة من الصرف
( الرسالة الأولى )
دع رسائل العشق مفتوحة كي لا تنسى حرفاً مما قلت ، ستبقى مواظباً لسكراتي بك ويبقى جنون حرفي يتوه بمدونة عشقك .
رسائل لا وجهة محددة لها غير الســماء بعد أن خاننا مرسـليها ؛ بعد أن أصاب قلوبهم الجفاف العاطفي .
تربة عطـشى للبوح تشققت المباسم لعدم انتقاء الألفاظ الشــهية ، كطبق شهي على موائد الطعام لمن تحب فليس أجمل من إهداء رسالة مشفرة لطيف غائب وخيال أمنياتك المسجونة بين السطر وطيات كتابك .
بكل مساء تبكي السماء علينا دموعاً مخضبة بأنين غربتي وترسم من ماء عيني نجوماً لصور معلقة تقتات من ذاكرتي مواسماً لقطاف الهجرة؛ ففي جميع الفصول كنت وحدي أزرع نرجسة على صفحات عمري وأرتبها حسب التوقيت الزمني لنبضي .... وحسب المسافة التي تطول وتقصر يشدها حبل الوفاق فيبدو لي لوهلة أنني سأبقى وحيدة أفارق مواسم الكتابة لأبحث عن وجه للحقيقة يشبه وجهي .
مدونتي التي بأسماء شبه وهمية جمعت بها كل رسائل العشق لألف رجل مروا بخاطري ، كتبوها لإناثهم ، بلغوا بها حد الجفاف ولم يصدف بأني رأيت رسالة عشق منك بمحفظة قلبي لأتلوها غذاء كلما حدثني جوع القلب عنك .
هل تعلم بأنك أنت المعجزة الكبرى؟ كلما كتبت إليك رسالة عشق أرتعش وهي ترتد على ناصية روحي كطلقة مدوية تمر من ثقب صغير بجسدي فأسقط منهكة بين يديك ، ليرفعني خوفك علي من سقوط مدوي بك .
أليس من حق قلبي - لأنك لي - أن تأخذني إلى حيث أشتهي، وأمضي مثل فراشة ربيعية مثل حبيبة توكأت بقصائدك ترجوك حلم اليقظة فأغفو متعبة من صرير قلمي ؟
وحدك أنت المحلق في سمائي، ووحدي أنا من أنجبتُ لك الفضاء بلا نهاية . لهفتي تغمرك مثل شتاء حار لأنك الضوء المشتعل بأقفاري .. كنت تسألني عن الأماكن التي زرتها! جميعهم ينقبون عن السعادة، فكانوا يرتدون أثواب الفرح .... إلا أنا ... أعلنت الحداد لعينيك التي فارقتني ، وارتديت لون الغفران لليل عن مصافحة يديك مشت فوق جسدي وأنا عارية من كل شيء، من فكري ومعتقدي، من قوانين أجهلها ومن طقوس جنونية أمارسها بشغفي، وحلمي ..... وأي حلم يشغلني فيشعلني معك !
سأخبرك وأخاطبك بشيء مختلف في هذا المساء الراكد إلا من حنجرتي تصرخ وأنا في صمت مضني، ولاسواك في هذا الكون يسمعني ويفهمني ويعيدني لنفسي حين أتشتت بين الدموع وبين قلبي.
أما الآن فأنا أشعر بالعجز أمامك، لم أمنحك سوى القصائد والحروف الحبلى بلهفة الإشتياق، شاركتني الطريق إلى عينيك، طلبت منك الغفران ولم تسمعني، ناجيتك ولم تشـاركني، كنت يوماً تلاحق نبرة صوتي وكنت تعشــق كل مابي، فهل تغفر لي حلماً لم يكتمل ؟ وهل تسامحني على ليلٍ لم يكتمل وجوع لايحتمل ..؟
أستعيدك بذاكرتي رسائل فارغة منك ولا أتذكر سوى رسالة واحدة فقط كتبت بها يوماً حرفاً من حروف اسمي ولم تكمله ؛ ففي كل صباح أسأل نفسي : أين أنت مني؟ وأين أنا منك ؟ كل ما عرفته عنك أنك كنت تدمن الصمت وصدى تساؤلاتي يثير شهوتك إلي كما لو كنت ترتشف كأس نبيذ على وقع موسيقى بمقهى يرتاده كل من خانه الوقت للقاء. أراك هناك تجلس على ذاك الكرسي الخشبي وعلى الطاولة بعض من سجائري ولفحة من عطر شهوة روحي، وكرسي فارغ تضعه مقابلك لعلي آتيك بلحظة سكرى وأعيد ترتيب العمر من جديد .
دوماً كنت أخشى أن أنتمي لظل غير ظلك وروح غير روحك ، أشعر بهذه الأوقات الرتيبة بأن وجهك عاد إلي مرتدياً ثوب اللقاء، بكل فصل من فصول السنة هناك انقلاب لوجه السماء والأرض؛ معجزة التكوين السماوي، فما زلت أبحث عن خيوط قوس قزح ولا زلت أتردد على ذاك الشارع الممزوج بالذكريات بخاطري ولهفة حنين الأمنيات، بكل ركن من أركان جسدي رسمت خارطة جغرافية الطول والعرض لوجه هام بمخيلتي، وشفاه لامست تضاريس وحي شغفي، ورسم أحجية تتوه بها الأيادي لفك طلاسمها الفينيقية، حتى الطباشير لم تنجو مني، رسمتك ومحوتك ألف مرة لأعيد وجهك الضائع.
كنت أراك كما أشـتهي صلاة استـسقاء، وغيمة مطر حبلى بملذات تربة عطشى للهوى ، كنت أراك ظلاً بهذا الركن البعيد، ولا شيء سوى لحن يتساقط على أوتار هزيمتي بصيف لا شمس فيه ولا دفء، وريح تذمرت بنعشها تصفق لها أوراق ذاكرتي، فارتديت معطفاً يقيني من صقيع ليل ترتعش له ستائر نافذتي، برزت بها أطياف كنت أتعللها وأنا في فراغ لتسلوني.
لم يبقى لي من بعدك ما أترجمه في هويتي سوى قلمي ودواتي وبعض أوراق نثرتها على طاولة انتظاري، لأكتب لك بعضاً من رسائل العشق الممنوع طرحها على فقراء الروح لعدم استطاعتهم قراءتها وفهمها، ولأنك الوحيد من يرأب تصدعي.
ففي كل صباح أناجيك: أكتب حرفاً لعينيك ولا أنتظر رداً منك ، كل ما رجوته أن تبقى حروفي قيد احتمال لصحوتك وغفوتي المجنونة بثمالة لهفتي .
عبثاً أحاول تجميع أفكاري، عبثاً يقطع حبل صمتي، عبثاً تجرني لوائح الشجن لأنجو بك وأنا في ريحانك أنصب شلال عطرك من ذكرياتك، تجتاح زوايا دهشتي، أشعر بقشعريرة البرد ووحدتي تأكل من جسدي المرهق لكينونة خلاص الروح من الجسد ... ذاك الجسد المثقل بالتعب يرسو على أطلالك على مر السنين رغم براعم النقاء التي تتوج رسمي بألوان طيفك فأزهو فوق رصيف الذاكرة كلما ابتعدت عن ذكريات طفولتي، عن صدى جدران توشحت حباً في بيت أهلي .
والآن أشعر بأن حياتي تخلو من متعة الفرح اللذيذ المطعم بنكهة المشاغبة البريئة، طفلة هرولت نحو مستقبلها كطفلة بكت يوماً حين ماتت لعبتها.
لم تعد حياتي هادئة متشحة بثوب السكون، سقطت بالمنى إلى جوار حلمي، متعبة كأنني ذاك الصلصال يتفتت مني كل شيء وأتساءل هل لقلبي أن يتحمل هذا الثقل الممزوج بطعم المسؤولية؟ تسبقني الدموع وأنا من تيتمت مرتين، حزينة أنا لفراقكم أبي وأمي؛ فما زالت جميع الصور في حقيبتي ترافقني بكل ترحالي، وأجمع أصابعي لأشد على قلبي خوف الغوص بالمنايا ... خوفٌ بأسماء كثيرة لاتنتهي.
يخال إلي أن الذكريات دواء للروح تنعش قلب ذاك الفتى بين الفينة والفينة، ترافق مخيلته، تجعله أكثر نضجاً وصحوة وأكثر تأملاً وإلهاماً مما مضى، لكن ما يخيفني هو أن فقدانك ينحر الحياة فلا أنتمي لشيء بعد غيابك؛ فأنت القبول والرفض، القرار والجواب وأنت قمة الخطيئة والصواب .
أنا لا أخشى الموت فهو الحقيقة المطلقة ولاأخافه، إنما أكرهه، فهو الفراق بيننا يطردني من محور حياتك وألجأ للسكون.
أعلم أنك ستتذكرني وأنت في سرمدك ، هذا العالم المختبئ في وحشة الظلام، لكن لن تستطيع ملء الفراغ بوحشة ليلي وتؤنس وحدتي .... ولأنني أحبك لن أخشى أن أمتلىء بك . منذ متى وأنا أعربش على جدار روحك وأعانق عسلية عينيك دون أن يلاحظ جذور حنيني أحد ، كان الأجدر بي أن أحارب سطوة عشقي معلنة تمرد شغفي، كان علي أن لا أدعك ترحل وحيداً من دوني ، كان عليك أن تخبرني عن موعد رحيلك .
فمنذ عقد من الحرمان ارتشفت نبيذ شهوة الحلم كعرافة تتقن فن قراءة الكف وأسرار الخطوط التي تنظم سير ضربات القلب، وأخطأت في إعلامي سير أناملي المرتعشة، وتمتمة الشفاه أعلنت الإلحاد بليل يسرد فيه عاشق قصة حب خالدة، يتلوها صلاة استسقاء مع أول رشفة نبيذ من كأس الإحتضار.
يا رفيق حلمي .. ياسري الباقي على الأرض، تأتي الفصول تباعاً ، لا فصل يشبه الآخر ... إلا بالسماء هناك فصل للروح لا يشبهه أي فصل، وهناك أنت أحب الفصول إلي، فصل النقاء والتقاء الأرواح ، أفتح الأبواب لك على مصراعيها وأستقبلك بأبهى عطوري لأكتب إليك عن زمن الجياع للحب - وأنا أولهم - ، عن أقاويل العشاق بغربة الليل البارد - وأنا باردة الآن - ،، وعن زهور عطشى لرذاذ مطر ، وأنا حديقتك المفضلة من اللهفة وأغصان تتراقص بقدمين عاريتين لتحرك خوالج جوف الأرض ، كم أشتاق إليك !!
كان اليوم عيداً، لكني نسيت أن الفرح قد هجرني، ونسيت ارتداء أجمل فساتيني لاستقبالك، ربما الفرح لا يجعلني قريبة منك، ولربما يبعدني عن الكتابة إليك وأنا اريد أن أتوه بعوالمك وأنقش من الحروف أسطورة تبقى خالدة بإسمك .
أحجية الحب أن لا نفهم بوح أرواحنا ونترك عنان مشاعرنا للغوص بمحيط لهفتنا.. وربما أنت اللقاء الأول والأخير ..وربما تحدث معجزة في مهاجع المصير .
(خربشاتي) .. بقلمي/ ثراء الجدي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق