الهجرة والعام الهجري (1444)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ )
المشقة تجلب التيسير وإذا ضاق الأمر اتسع ، رجال دهر فتحوا الامصار وساحوا ببلاقع الأرض فبلغونا مسالك الجدد ،فالهجرة ليست للاستجمام من عناء طال صبرهم عليه، ولا هي فرصة للترويح عن النفس وكشف عوالم جديدة ،لكنها في الحقيقة عناء يضاف إلى عنائهم وجهد يتحملونه فوق طاقاتهم، ووحشة تضاف إلى ما هم فيه من غربة في بلادهم .أليست الهجرة انتقالا من الوطن إلى أرض جديدة؟ ومن يضمن للمهاجر السعادة والأمن في تلك الأرض الجديدة؟ أليس في الهجرة مفارقة الأحباب والخلان؟ أو ليس في الهجرة قلق للنفس بعد استقرارها، ووحشتها بعد أنسها؟ إن حب الوطن غريزة فطر عليها كل مخلوق، ومفارقة الوطن تترك في النفس اضطرابا مهما كانت الغاية من مفارقته، والإنسان عندما يفارق وطنه على أمل العودة يعلل نفسه بسرعة الأيام، ويمنيها بأنس اللقاء بعد الفراق، أما إذا لم يكن أمل في العودة، وانقطعت آمال المهاجر في لقاء من فارق، وأصبح اللقاء أمنية عزيزة بعد أن كان حقيقة واقعة، فإن المهاجر يرى كل شيء بعين اليائس، ويسمع كل لحن بأذن الأصم، فهو لا يستلذ بعيش، ولا يهنأ براحة، ولا يأنس بجليس .على أننا يجب أن نفرق بين التضحية والتغلب على نزعات النفس من أجل القيام بالواجب، وبين شعور الإنسان باللوعة وإحساسه بالألم عند القيام بعمل يخالف الفطرة، ويتعارض مع الجبلة .وليس هذا الشعور وذلك الإحساس مما يلام عليه الإنسان لأنه جبلة خلق الإنسان بها، وإنما يلام عليه إذا أقعده عن واجب، وحال بينه وبين معالي الأمور .ويعلم الرسول- صلى الله عليه وسلم- بذلك فلم يلم أحداً على ما قال، ولكنه يرق لحال المهاجرين، ويقدر عواطفهم، ويدعو الله- عز وجل- أن يثبتهم على هجرتهم وأن يحبب إليه المدينة كحبهم مكة أو أشد. فكان للهجرة وقع خاص وتاريخا" لامة. وبين محدوديتي وضآلة فكري رحت أقارن بين جيل جعل الدين همَّه إلى جيل جعل الدنيا غاية مناه ... !ومن جيل جعل الإسلام واقعًا حيًا إلى جيل جعله سرابًا خادعًا ... !ومن جيل جعل طاعة الله طريقه إلى جيل ارتضى خطوات الشيطان سبيله !ومن جيل جعل القدوة أسلافهم إلى جيل جعل الغرب نجومهم !كم هي حسرات وآلام تدمع العين من أجلهم ويحترق القلب لحالهم . فهل لنا من عودة صادقة إلى سير سلفنا الصالح ، فالحمد لله الأوّل والأخر والظاهر والباطن والأزلي قبل الـــــــــكون والمكان، الظاهر في علوّه بقهره عن غير بعد، والباطن في دنوّه بـــقربه من دون مسّ، الذي أحسن بلطفه كل شيء بدأه وأتقن صنع كل شيء أنشــــأه، ودبرت الأحكام حكمته وصرفت المحكومات مشيئته، فأظهر في الغيب والشـــــهادة لطيف قدرته وعمّ في العاجل والآجل خلقه بنعمته، ، فنسأله الصلاة على النبي وآله ، وأن يوزعنا بفضله وشكر نعمه، ويعرفنا خفيّ قدره، ووهب رسوله المفضل بالشفاعة والحوض المورود، المخصوص بالوسيلة والمقام المحمود، اللهم بقدرتك يا مبدل الحال بالحال انظر بعينك أمتنا الإسلامية بالـــــــعام الهجري الجديد وهون امرها واصرف الشرور عنها وانضوائها وضعفها ولا تجعل التكالب عليها من عـــــدوها لينقم منها ويستلب نعمها واهدي أمتنا الى الطريق السوي واجمعها كلحمتها بسالف الأزمان وهبها الأمن والأمان ووسد أمرها من يخافك ويخشاك وعلى هدى الحبيب محمد ومن والاه ،أسألك أعواما هانئة ليس كسنين خلت بقدرتك يا مدبر الامور.
أبو مصطفى آل
قبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق