في سكون الليل أحاول ان اخرج من سبات وعزلة لغرفتي القديمة التي تطل على الفضاء دون حجاب سقف ، بصحبة باب خشبي اتعبه الزمن كصاحبة ومقعد خشبي هو جليسي مع قدح الشاي والسيجار وسهام العين تمرق للسماء تُساهر النجوم كمن اشترى سهراً بليل ، فباتت الحال مستديمة وطقوسا واحيانا استمع لكتاب الله من الحافظ خليل رحمه الله الذي يشنف سمعي ويرقي نغمتي ويعينني على ما حفظته بمكنون كتابه الكريم، وأحياناً البس ثوب الصمت ، وبينما نمر بأجواء مغبرة ورهج الغبار بصفرته يحوم حولي اغلق الباب وصرير الريح ينابذه لينفذ من نخوره لانهُ يشاركني الهم بخلوة الانس التي تعودها معي فاجد الروح قد أزفت لتصحر والزمن طويّ بطيات عديمة وحلكة قاتمة القت حبالها فصرمت عنقي فما عدت اتوق طعم السيجار لحشرجة في الصدر، فراحت يدي الناضبة تنشد فسحة للخروج من عتمة القدر المحتوم فدونت كلماتي الظامئة....
تصحر الروح وغُربة الأرض
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في غمرةِ الاسفارِ
صوبتُ ناظري
كضبٍ مُحتار
رفعتُ حجاب الصمت
لثمتُ وجهاً للطبيعةِ
قبلما نزعُ الخمار
ابحثُ عن خبرٍ
عن بكرِ الصحراء
مما حوتهُ بلاقعٌ غبراء
فاكهتها الصبار
وحائمة الصقور والاحبار
عبقٌ تنافح بالبذار
الشيح والقيصوم والحرمل
وغدير القطر ثماد الماء منهل
وثورة الروح تغلي
بالفناء كمرجل
أبلٌ، غزوات، أناخه، برى
بيدٌ بالعشب حبلى
بالذِبح والعاقول والغضا
قسى زمنٌ تقطعت اعتابُها
أبلٌ بركت وحل ركابُها
حل اللُغوب عنائُها
في خضرة أفيائُها
ألا ما شاك شوكها
والنوق تعرف سرها
بمن أعتلى بسنامها
بسيوفهم ومضائُها
بأوام قيضٍ الحر
كان الجبين سُقيها
وشهدُ الشوك تجتر نُوقها
ورجالُ دهر تجود بوصفها
لا من يجاري قولها
أو من يناط منالها
في قولها وبشعرها
فتعمدت تلك الصدور
رنق الصفاء بلا ثبور
حيثُ للهمس صدى
والأذن تعشق بالهوى
بلا أفق يُحدُ على المدى
قد كان ذلك عهدُها
ضرعٌ لنوق شخبها
تسقي الرضيع خوارها
مساهرة للنجم ليلها
خوفاً على غدر
الذئاب وليدها وحِذارُها
وبمسحة سمراء
رفقة غيدها
أمنتْ بنومٍ خِدرها
وهودج العرس يزهو بها
هي النِضرة.. هي الينعة
هي الكبار والخشان والصمعة
مطرزٌ ذاك الفناُ كِسائُها
هي الهنوف بقامة
لا من يضاهى سحرُها
هي السمو كصقرها
تلك البوادي نُزلها
وموقد النار سُمارها
عبقٌ بهيل تفوح دلالها
وعرافة بالحي تلهج بالدعاء
وكف الملح من تربٍ شفاء
تُذر بحرمل لوجِ النار
فتنبئك الاخبار
فرحٌ شفيف بالأصيد حبور
ومنقلة تفوح بُخور
وعين النوق تبصر في وئام
وكحيلة العين تمرقُ كالسهام
فيعلو هُتافاً بالحناجر
في دبكةٍ بعرسها
لهثُ الخناجر
عشقٌ بها دنفٌ المجامر
لكنما أزفت نوازل
أولي بقية من دارس
باتت منازل
روحٌ تلظت بالشرر
فداهم الحي خطر
والنوق تشكو للإبل
قُطعت الرشاء بدلوٍ والحبل
مسُ الخلابة بالخَبل
وصبغةٌ في الحي تنُتحل
وحِداءُ تدوية الشجن
يأتي بها شجو اللحن
تحدو بها الصحراء
تدندن في صمتٍ ترنيماً
بترتيل السماء
تتهادى على فرش الرمل
بلا وفير للفراش ومخمل
عزفٌ فطريُ بجنة غناء
بالرمث والكِعوب والعرفج
وشجراء الجداد
وخرنوب وعوسج
لكنما أزف النذيُر لها سقيم
ريحٌ صرصر عقيم
وغواية لشيطان رجيم
حُرق الحرث والنسل
وروحٌ تُصحر
ارض تنابذ مُبتذر
وخزامة الغيد
تشكو من صدأ
رهج الغبار بدأ
يا ليتها عوداً لفطرتنا أتت
أقمارها ضوء خفت
روح لحادي الإبل قد خبت
وربابة باتت تنابذ نايها
والموت بات عرسها
ضاع الحجاب حرزها
وخرزة مفقودة تعويذها
والأرض تُبكي عُريها
سحبٌ تنابذ قطرها
صك الرباب بياضها
والخطب منحلك السواد بها
والأرض تنزع ثوبها
ما شاقها بسعاية
في غدرها
وبما الزمان طوى
تبابٌ مقد الأرض خزنُها
عاف الملاذ ضبها
هل ينفع المحذور طيها؟
أو من قبولاً عذرها؟
من دائصٍ ختارها
هو الغريب أرومة في نسلها
أبو مصطفى آل قبع
توضيح: ما ورد من أسماء لنباتات برية الفتها غرب العراق وضمنتها التنضيد وهي:
الشيح، القيصوم، الحرمل، الذِبح، العاقول، الغضا، الكبار، الخشان
الصمعة، الرمث، الكِعوب، العرفج، الجداد، الـخرنوب، العوســـــج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق