الجمعة، 8 أبريل 2022

 طقوس رمضان بين الامس واليوم ....

مواقد الذكريات 

لحظة الغروب بدأت الشمس ترسم لوحتها في ذلك الأفق  بخطوط الشفق الأحمر  على استحياء،  تنسحب مودعةً الأصيل، وبحياء تجر ثوبها الجميل وتلملم بقايا أشعتها التي تداعب سعف النخيل و تعلو شامخة تغازل أشجار الصفصاف على الترع والسواقي،في تلك القرية النائية الغافية بأحضان شواطئ الفرات ببيوتها  الطنية الكبيرة المتناثرة هنا وهناك. غادر الفلاحون  أراضيهم مع المواشي بوقت مبكر ذلك  الًيَوُمًِ ليرجعوا مسرعين و يقفوا على تلة عالية محاذية لجرف الفرات يراقبون هلال شهر الخير لٱ يعرفون دار الأفتاء ولا مركز إعلامي لمرجع ديني ولا حتى إمساكية ورقية . فهم 

 يعتمدون علي  رؤية الهلا ل، رغم قساوة الظروف في ذلك الوقت إلا أن طبيعة الحياة كانت تفرض نظاماً معيناً يجعلهم يساعدون بعضهم بعضاً  ليرسخوا بذلك قيما سامية تزدان بالمحبة والصفاء والرحمة والتسامح. مؤذن القرية حجي جابر عندما يحين وقت الآذان يتسلق جذع نخلة بجوار بيته ليصدح بصوته بذكر •اللّـہ̣̥  أما حجي مداح فيصعد على سقف حجرته الطينية 

فلا توجد سماعات أو مكبرات صوت حينها،

وعندما يغيبان نراقب السماء وعند رؤيتنا لأول نجمة نفطر.

  أمي لم تكن  تنام في النهار أيام صومها، صباحاً في الحقل مع أبي  تجز حشيش البرسيم وتجمع الحطب لتجلبهما للبيت، وبعد الظهر تستعد لتجهيز الفطور.

في ذلك الوقت كان الحطب هو مصدر الوقود. لطبخ  الطعام   فتقوم بوضع القدر الكبير 

على ثلاثة مناصب صنعته من آجر الطين تضع فيه المكونات حتى يغلي الماء،تقوم بتنظيف التمن من الشوائب والحصى الناعم .بعد ذلك تهيئ التنور الطيني المنصوب في ركن باحة الحوش صنعته بيدها بمساعدة جدتي بعناية فائقة فتضع فِيَھ كمية م̷ـــِْن الحطب (شجر التنور) يكفي لخبز شجار واحد بعدها تعد شجار ثاني وثالث .

كان العرق يتصبب م̷ـــِْن جبينها حتى تبتل ملابسها.منهكة متعبة وهي تطبخ و رغم ذلك السعادة والفرح يغمرها عندما يرمقها أبي بنظراته ما شكت من عسر الحال يوماً.وفي ليلة الخامس عشر م̷ـــِْن رمضان والذي يسمى الخوارة أو يوم الموتى توزع الطعام على الجيران سواء كانوا فقراء أم أغنياء، أقرباء أم غرباء .

بعد الإفطار تقرأ صورة الفاتحة على كل شخص ميت م̷ـــِْن القرية فتجلس العائلة مجتمعة  تنبش بأعماق الذاكرة حتى لٱ تنسى أحداً م̷ـــِْن موتى أهالي القرية. 

 لم يكن ل أمي  طباخاً ذو خمسة مشاعل وفرن كهربائي ولا موبايل تتصفح به بعد الإنتهاء من الإفطار  لتشاهد المسلسلات وآخر صيحات الموضة.

ولم تقم صلاة الليل وتتهجد بالنوافل وتقرأ القران فهي حافظة لتعاليمه بالفطرة تنام بوقت مبكر من أجل أن  تستيقظ لتجهيز السحور.

وفي الًيَوُمًِ الأخير من شهر رمضان يقف الصائمون فوق تلك التلة حيث الأفق المكشوف لمراقبة هلال شوال عند رؤيته يودعون رمضان قائلين (الوداع ياشهر رمضان ياشهر الطاعة والغفران) فأهل القرية كانوا يتبعون الهلال. وسحور اليتمة هو م̷ـــِْن يعلن عن أول أيام العيد  لٱ دار الإفتاء ولا مكاتب العلماء فكان عيدهم موحد، واليوم الذي قبل يوم العيد يسمى

(أم الحلس) تقوم أمي بمساعدتنا على الاستحمام فهي حريصة على نظافتنا تحمي الماء  (تغلي) على نار الحطب وبداخل الغرفة الطينية تضع الطشت الكبير خوفا على أرضيتها من البلل وتغسل رؤوسناو أجسادنا واحد تلو  الآخر وتجهز ملابسنا الجديدة ومن ثم يأخذنا أبي إلى المزين (الحلاق)لم نكن  ننم في تلك الليلة نترقب بشغف ولوج الفجر وبفارغ الصبر ننتظر الريوك ويكون من البحت (رز مع حليب يضع عليه الدبس والدهن الحر) 

ثم العيدية التي طال أمدها وهي ما نحصل عليه م̷ـــِْن الجد الأب والعم والخال وهذه العيديات سبب في سرورنا وفرحنا حيث امتلأت بها جيوبنا لنتباهى بها فيما بيننا. كنا نلعب ونلهو بالمراجيح ودولاب الهواء الخشبي والزحليكة. أما أخي الأكبر وأبناء القرية الأكبر منا سنناً فكانوا  يذهبون إلى المدينة حيث؛ دور السينما يشاهدون أفلام فاندام وبروسلي ويحفظون بعض الحركات يتنمرون بها علينا سرعان ما ننساها. أما دور عرض السينما  الآن تعرض حركات لخفافيش الظلام  يصعب على الفرد أن ينساها فهي أقوى م̷ـــِْن حركة رأس الأفعى لبروسلي فبنصف حركة قتلت إيهاب وفاهم.

وبحركة ملتوية أردت صفاء وقتلت عمر سعدون لتبقى أحلامه تتأرجح على جسر الزيتون مع هلال كل عيد


حيدر الفتلاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

طفلة الشوق

 ( طفلة الشوق )) ومن النساء أنت  طفلة تخطفني إلى عالمها تتقلب ما بين صدري وقلبي ترسم بيديها قبلة فوق جسدي ونار الحب تحرقني تغازلني تعانقني  ...