مراهقة متأخرة
كانت "ليلى" قد بلغت الخامسة والأربعين حين اكتشفت أنها لم تعش مراهقتها قط.
مرت السنوات وهي تلهث خلف المسؤوليات: زواج مبكر، أطفال، عمل، بيت، أم، زوج، حياة مزدحمة لا تترك لها حتى متسعًا لتسأل نفسها: "من أنا؟"
كان صوتها خافتًا، دائمًا ما تضع الآخرين أولاً. ارتدت ملابس "محتشمة" ليس لأنها أرادتها، بل لأن الناس قالوا إنها "تليق بسيدة محترمة". لم تسمع يومًا أغنيتها المفضلة بصوت مرتفع، لم تقف أمام المرآة لتبتسم لنفسها، لم تتعلم كيف تقول "لا" دون أن ترفقها باعتذار.
وذات مساء، وبينما كانت ابنتها المراهقة تجادلها بصخب عن لون شعرها البنفسجي، لمحت "ليلى" نفسها في المرآة. لم تكن تكره ابنتها، بل شعرت بالغيرة.
غيرة ناعمة، حنونة، مؤلمة قليلاً.
في تلك اللحظة، حدث شيء غريب.
ابتسمت. ثم ضحكت.
ضحكة غير مألوفة، خرجت من عمق مجهول.
في اليوم التالي، اشترت حذاءً رياضيًا بلون أحمر فاقع.
حذاء لا يشبه سيدات الحي.
ومشت به في الشارع، كأنها تجرّب السير لأول مرة.
اشتركت في صفّ رقص شرقي.
كتبت اسمها في ورقة ووضعتها على مرآتها.
كتبت: "ليلى، بنت الأربعين، أخيرًا تبدأ حياتها".
بكت مرةً، ثم ضحكت عشرًا.
قرأت شعرًا غزليًا وسمّت نفسها بـ "فتاة الأحلام".
لم تكن تحاول أن تعود شابة، بل كانت تكتشف شابتها المسروقة.
الناس همسوا، الجارات استغربن، ابنها غضب قليلاً.
لكن زوجها؟
كان يراقب بصمت... ثم قال ذات ليلة:
"أحب هذه النسخة منك، ليلى... كنتِ نائمة طويلًا."
بدأت ليلى تعيش كأنها تتذوق الحياة لأول مرة.
لم تعد تضع القهوة في كوب بلا روح، بل اشترت كوبًا ورديًا كُتب عليه: "صباح الخير يا أنا".
كانت خطواتها أخفّ، عيناها أوسع، وضحكتها أكثر صدقًا.
صارت تمشي في الطرقات، تصوّر الغروب، تكتب تعليقات عاطفية على صور الزهور، وتغني أحيانًا وهي تغسل الصحون.
لكنها لم تفلت من شبح الشعور بالذنب.
في أحد المساءات، جاءت إليها ابنتها، نفس الفتاة التي كانت سبب لحظة التنوير الأولى، وجلست أمامها بوجهٍ حائر.
قالت:
"ماما، الناس عم يحكوا عنك. بيقولوا تغيّرتِ... بيقولوا صايرة غريبة."
صمتت ليلى لحظة، ثم ابتسمت وقالت بهدوء:
"وأنتِ؟ شو رأيك؟"
ردت الفتاة بعد تردد:
"أنا... حابة التغيير. بحس إنك صرتِ تشبهيني. أو يمكن أنا صرت أقدر أفهمك أكتر."
في تلك اللحظة، شعرت ليلى أن شيئًا ما بداخلها تشافى.
ربما لم تكن متأخرة في مراهقتها، بل كانت تأتي تمامًا في وقتها.
مراهقة من نوع ناضج، فيها وعي، حبّ للذات، ورفضٌ لكل ما يجعل المرأة مجرد ظل.
ثم جاء اليوم الذي وقفت فيه ليلى أمام المرآة، وقررت أن تقص شعرها.
قصته قصيرًا جدًا.
نظرت إلى نفسها، ولم تبكِ.
بل همست:
"أهلًا، ليلى الحقيقية."
بقلم :رنا عبد الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق