الأحد، 26 نوفمبر 2023

فشل الكتابة

 فشل الكتابة

لم تستقر حالتي الصحية، حاولت مرارا الابتعاد عن القصف، لم استطع تقليص ساعات المشاهدة!

تجدني متسمرا أمام الجموع النازحة هربا من المجهول وأملا في النجاة؛ المئات بل الآلاف يتقاطرون في شارع صلاح الدين، يتزاحمون، يهرولون، لا يحملون إلا النذر اليسير من المتاع.

يجرون بعض الجرحى فوق أسرتهم، لا يعلمون نهاية للطريق!

ينتظرون بالساعات أمام كمائن أحفاد السامري، يخضعون قهرا للتفتيش الذاتي.

يُسلًب منهم المال والذهب!

من يعبر هذه الكمائن يطيل حياته لحظات، يقطعون بضع خطوات، يتساقط منهم الكثيرون، تتلاقفهم المقذوفات المنهطلة عليهم من السماء وعن اليمين واليسار.

يمرق القليل منهم، وكأنهم سكارى وما هم بسكارى!!

تزكم أنفي روائح العرق والخوف، لا أدري كيف تتسرب لي روائحهم تلك وأنا على مبعدة مئات الكيلومترات من الحدث!

أصرخ:

الموت قابع في كل أركان اللوحة.

لا يصل صوتي لأحد؛ مجرد تعبير عن انفعال إنساني لا جدوى له!

أنظر الوجوه المحدقة في هيئتي، فأخجل وألتزم الصمت خشية أن يظنوا بي الجنون!

أين الجمال الكامن في النزوح؟

لماذا يصر المصور على التكرار؟

لا أحد يجيبني؛ يخشون الرد حتى لا أنفجر!

أهينم:

أغبرة تطمس نفوسا هلعة، اللهب يحيق بالمنبوذين، وكأنهم يعبرون صراط الضلال، فمن يسقط ينعم بالجنان، ومن يمر يُعلق مآله لقادم الأيام!!

أجادل الذي يجاورني وهو عني لاه:

أيمكنك وصف الذعر والهلع؟

أجربت يوما أن تحاصرك عصابة بمقذوفات النار وأنت لا تدري كيف تتصرف؟

تحاول الهرب، لكن السبل كلها موصدة!

أراد أن ينغص علي المواجع، فقلب مؤشر التلفاز:

يسأل شيطان السامري:

لماذا الأرض غير مستوية؟

يجيب الطبيب المتسربل لباسه بالدم:

أنها مقبرة لثمانين جثة ، حفرناها بالأمس.

يشير إليه ليبتعد، تلتف جوقة السامري، تشكل دائرة مبتعدة عن المركز بمئة متر، يمتشق أفرادها الرشاشات.

بعضهم يسوق العشرات من الجرحى، يأمرونهم بالقعود حول المركز، أنين الجرحى وصراخهم يصمان الآذان.

ألعن القسوة، بالطبع نبراتي لا تتجاوز حلقومي.

لا تلومني؛ فكيف لي بالمشاهدة دون تفاعل؟!

لو شققت صدري ما وجدت حجرا؛ ربما تلمس قلبا نابضا!

ما جرؤت على المغادرة:

تقعقع الجرافة، تزيح الرمال والأتربة، يتنقّل الجرحى، حتى لا تدهسهم، تظهر الأكفان، يأمرون الجرحى برفع الجثامين بعيدا، وفي لحظات معدودة تحمّل الجرافة الشهداء فوق سيارة نقل، تكومهم.

يتراجع من بقي من الجرحى إلى المشفى.

ما مصير الجثث؟

أسأل نفسي وكأنها على دراية!

لا تتهرب من الأجابات، ابحث عن مبررات ما تسوقها!

أين الشجاعة في سرقة الرفات؟

يشيع البعض أنهم يملكون أكبر بنك للجلد.

أأدركت أنهم يستثمرون ويبيعون خلايا الجلد!

بالطبع سيبررون فعلتهم بإجراء تحاليل ال ( دي إن أيه) ومضاهانها بتحاليل الأسرى المفقودين، حينما يفرغون قد يقررون إعادة الجثث.

يقتحمون غرفة العمليات الكبرى، شيطانهم الأعظم يقتل المرضى الذين تجرى لهم العمليات بطلقات نارية، يعترض الجراحون، فيأمر أتباعه باعتقالهم جميعا.

يفجرون أبواب وأجهزة المشفى بالصواريخ!!

النار تسطر اللوحة، لا حديث سوى المواساة؛ جميع من بالمشفى ينتظر دوره، قد تلقى حتفك بعد ساعة أو ساعتين أو ثلاث!

أجربت هذا الشعور؟

القلق ليس من النهاية، كيفية بلوغ اللحظة تمثل توترا حقيقيا!

يطلقون مسيرة صغيرة  (درون)، تملك قرونا استشعارية إلكترونية ذكية، تمسح أوجه الجرحى، توقفت أمام أحدهم، فأرسلت شارة قصيرة، فانطلق أحد الكلاب خامشا وجهه، هنيهة مرت قبل أن يهجم عليه الجنود، جسده مليء بشرائح البلاتين ، يمزقون جسده بسكين ومطرقة حديدية، يصرخ، يرفس بجسده كله، يتماسك ولكن الألم لا يقاوم، يتكالبون عليه، تشتمهم سيدة عجوز، فترديها طلقات مسدس، يتأفف شاب من هذا الأسلوب الوحشي، فيفرفرون جسده بخزينة رشاش كاملة، تكومت شرائح البلاتين على الأرض ملوثة بالدم ونثار اللحم، أفراد من طاقم التمريض يحاولون شد ما بقي من الرجل، فيعتقلونهم جميعا.

أنشعر بمدى الألم حينما تشق سكينا الخايا؟

ما كينونة الكلمات الواصفة لجرش العظام؟

ما الحروف التي يمكن تركيبها لنقل الأحساس بالوجع؟

أترقب منك المشاركة فمعجم الألفاظ نضب معينه!

الآن عليك نسج تفاصيل الحكاية، لتكتب قصة، نقرأها، نحللها، نستبطن مواطن الجمال.

أترقب منك تحليلا يخاطب عقلي.

أتعتقد أنك  تعقل الأشياء؟

لماذا لا تجرب الخيال؟

أيمكن للخيال أن يبلغ مشارف بحور الدم هذه؟

تناءت الرسومات فاقدة المعنى والدلالة.

بصراحة لا بد من غلق التلفاز!

الآن أسمح لي أيها المتلقي بالسؤال:

ما وقع التصوير على وجدانك؟

أبكيت، أصرخت، أأدميت فؤادك؟

صديقي أن لم تزلزلك المشاهد فهذا يعني فشل الكتابة.

تمت بحمد الله

عصام الدين محمد أحمد



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أحبس سجام العين كفكف

 أحبس سجام العين كفكف أدمعا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ أ...