شوق على صفحة الليل
****************
في وسط هذا العالم
وفي جوف مكان
وعلى حين غرة
تُوقَد النار في الهشيم
على تخوم حياة
حتى لا تصدأ الذاكرة
ويتداخل الماضي بالحاضر
في عشوائية
فيُكتَبُ تاريخنا
بمداد اللوم و العتاب
وتتعفن أيامنا
فتقتات منها الجرذان.
****
أشياء متداخلة
ملونة بابتهاجات
في سماء الرأس
وفي سويداء القلب
حيث يسكن طيفك
أشياء منبثقة
من جذوة تاريخ
لم يمسسها غبار
تبني جسرا بيني و بينك
لتعبرَه غيوم المحبة
وتمطرَ السماء
بفرحة اللقاء
****
هي رحلة حلمٍ حليمٍ حالمٍ
لم تفاجئْها وحشية النهار
فكل الأشواق
كُتبتْ على صفحة الليل المقمر
بوعي ..
بلا وعي..
عن غفلة..
لتلك الحقبة
التي انفلتت
من عِقال الزمن
حين غرقتُ في ليل
كنتِ فيه أنت الشعاع الوحيد
الذي ينير الظلمة.
وأستعيد الأشياء
أعيدها إلى أصلها
فتمتد في الأرض و تتجذر
ويصعد منها خجلك الأنثوي
ورداً أحمرَ على الخدين.
ودون أن أسأل
دون أن أطلب التفاصيل
أسرارٌ و حكايا
في أعماق روحي
تستدرجها ذاكرتي
فيتراءى لي كل شيء
فهذا سؤال مُلِح
يزلزل قناعة سنة
وهذا آخر يرسخ أخرى
موصوفةً ببلاط أبيضَ
أبى انفراط َهيبةَ حب
بعدما غمرته السيول
****
انعطاف ..
انتقال ..
تغيير..
نوازعُ رومانسية
ردودٌ انفعالية
لحظاتٌ عسيرة
كان يمكن اصطيادها
بسيف بتَّار
لتظل الطيور
تغني وتعزف بأجنحتها
عند كل فجر
وعند كل أصيل
على إيقاع الخفقان
الذي يسري في دمنا.
*****
عند خط الأفق
إلى منتصف السماء
نجوم شاحبة باهتة
ترنو إليك
في حنق و غيرة.
أيتها الأميرة الرومانسية
أعلمي أنك تتماثلين لي
أميرةً
من أميرات الأندلس القديمة
واثقة الخطى
كج شفافة الروح
وعذبة الكلام.
****
النص بقلم
أسيف أسيف // المغرب //
قراءة القصيدة بقلم الأستاذة : أمينة نزار // المغرب //
أول ملاحظة تتبادرإلى ذهن القارىء هو الإطار الذي كتب فيه النص وهو ثنائية الماضي والحاضر ،وقد سبق أن أشرت في قراءات أخرى أنها ليست جديدة على الشاعر ، إذ تم توظيفها في قصائد سابقة.
و على أساسها يمكن تقسيم النص إلى قسمين رئيسيين : ماض وحاضر ، رغم أن الشاعر قسمه إلى خمس فقرات أو لوحات ، والمعيار الذي اعتمد في التقسيم كان طبعا هو البعد الزمني.
* بدأ الشاعر قصيدته بإعلان القطيعة مع ماض لم يحدد ملامحه ، اختار تعويمه باستعماله للنكرة: " في وسط عالم" ، " في جوف مكان "....
حتى الزمان جاء بشكل مفاجىء " على حين غرة " يعلن انتهاء ماض صوره على شكل هشيم ، أشعلت فيه النار لطمس معالمه و للقضاء عليه نهائيا ، وحتى لايتداخل مع الحاضر ويلقي عليه بظلاله "يكتب تاريخنا بمداد اللوم والعتاب " فتتعفن أيامنا وتأكل منها الجرذان"... فيتحول إلى موضوع سائغ للمتطفلين عديمي الأخلاق ، هواة النميمة والنهش في أعراض الناس.
* يقف هذا الماضي على حافة حاضر مشرق جميل ، ملونة أيامه بالإبتهاج ،ابتهاج النفس والفكر والقلب حيث يسكن طيف ملهمته.
ومرة أخرى يتداخل الحاضر بالماضي – على طريقة الفلاش باك - ولكن هذه المرة بماض بعيد نسبيا ، وهو ماض بوجهين:
- وجه قاس مظلم ،شكل مرحلة من حياته ،مر فيها من ظروف صعبة ، وكانت مخاطبته سنده وعونه و " الشعاع الوحيد الذي ينير الظلمة "...
- وجه آخر أكثر إشراقا ، وهنا يظهر الحاضر وكأنه صار يستمد مشروعيته من هذا الماضي الجميل الذي حافظ على جذوته ولمعانه، وظل يضع جسر عبور من المحبة والفرح باللقاء بين الشاعر وملهمته.
هو محطة من حلم حليم يمارس الحق في الحلم أيضا ،ينعم بهدوء الليل وسريته ، يرسم أشواقه على صفحاته ، يتدثر بظلامه كي لايكشف النهار سره ويفسد جماليته ، ويحتمي به من جبروته وما يمارسه الإنسان فيه من قسوة وعنف ووحشية .
يستعيد الشاعر ذكرياته ويتوقف عند الكثير من التفاصيل التي تنساب تلقائيا من أعماق الذاكرة : أسئلة بعضها يؤكد تخمينات وأخرى تنفي قناعات ، تحولات ، منعطفات ،نوازع ،تغييرات.... تأخذ علاقته بملهمته في مد وجزر ، بعضها رومانسي هادىء جميل ، وبعضها الآخر يطبعه الإنفعال والتوتر أحيانا.
بين الأخذ والرد تطفو على السطح إشراقات جميلة ،تحدد ملامح الملهمة وترسمها في أحلى أوصافها - مما يعكس رقة الشاعر ورومانسيته - فهو يراها الشعاع الذي أنار ظلمته في زمن ما ، ، يشبهها بأميرات الأندلس ومايرمز إليه التشبيه من جمال ورقة وعنفوان ، خجلها الأنثوي ينعكس عل الخدين وردا أحمرا.. وهي في نفس الوقت واثقة الخطى ، شفافة الروح وعذبة الكلام...
وحبه لها راسخ " يأبى الضياع رغم السيول التي غمرته " وسيظل لحنا تعزفه الطيور وتغنيه عند كل فجر وأصيل على إيقاع الخفقان الذي يسري في دمهما ...رغم النظرات التي تتطلع إليها في حنق وغيرة.
نص جميل شدني وأرغمني على العودة إليه ، أتمنى أن تكون هذه القراءة المتواضعة قد سلطت الضوء على بعض جوانبه..
أمينة نزار // المغرب//