قــــراءة نقــدية فى "بيــت الدمـــية وزنــــود الســــت"28/11/2020
Critical reading in "The Doll's House and the woman's Palm groves "
By The Egyptian Writer And Critic
Dr/ Tarek Radwan Gomaa
"نورا: سأخلع عن نفسي ثوب الدمية لأنني لم أعد أستطيع الحياة معك أكثر. كان أبي في ما مضى يسر إليّ برأيه في كل كبيرة وصغيرة فنشأت أعتنق آراءه نفسها، وإذا حدث أن كوّنت لنفسي رأيا مخالفاً كنت أكتمه عنه خشية أن أضايقه. وعندما انتقلت لأعيش معك انتقلت من يد أبي إلى يدك ووجدتك تنظم الكون من زاويتك الخاصة فتبعتك في الطريق المرسوم، أو تظاهرت بأنني أتبعك. أنت وأبي جنيتما عليّ. والذنب ذنبكما إذا لم أصنع من حياتي شيئا ذا قيمة. يجب ألا أعتمد إلا على نفسي وهذا ما يدفعني إلى الانفصال عنك. أريد أن أزن الأشياء بوحي من فكري أنا، لا من فكر الغير، وأن أرقى بنفسي إلى مرتبة الفهم والإدراك.وتصفق نورا الباب مغادرة."
إننا لم نزل أسرى صورتنا الكلاسيكية لزوجة باسمة تخبئ مرارتها التي راكمتها السنون. بيت الدمية” .. مسرحية هزت اوروبا تحكي كيف خلعت المرأة عنها ثوب العبودية. "بيت الدمية"مسرحية إجتماعية عرضت أوّل مرة أواخر القرن التاسع عشر، وأثارت في حينها العديد من الإشكالات في المجتمع النرويجي المحافظ. وقد شكلت بطلته “نورا”، صرخة في وجه إستعباد المرأة ولتصبح رمزاً للتمرد على عبوديتها. أمّا المشهد الختامي للمسرحية فقد هزّ أوروبا، وأبرز إسم مؤلفها هِنريك إبسن.
تنتمي أعماله المسرحية إلى مدرسة الواقعية التعبيرية، التي تتسم أحداثها بالتسلسل الطبيعي والمنطقي، وتنقل للمتفرجين صورة واقعية للحياة البشرية. وهكذا تميّزت أعمال إبسن بالعمق الإنساني، وجرأتها في طرح الموضوعات الاجتماعية الحساسة، مثل: الكذب والنفاق والمظاهر الخادعة. ويعدّ إبسن رائد المدرسة الواقعية في أوروبا، فقد استفاد من مخالطته معظم الطبقات الاجتماعية، وصدمه ما وجده فيها من عيوب، وأذهله ما بأفرادها من جهل وانحطاط. فجاء أدبه ثورة فكرية اجتماعية، وثورة على تقاليد الأدب الكلاسيكية والرومانسية.
مسرحيته “بيت الدمية”، حيث ضمّنها إبسن آراءه في الحياة الزوجية والمشاكل التي كانت تكتنفها في ذلك العصر.هيلمر ونورا هما الشخصيتان الرئيسيتان في المسرحية. يصاب هيلمر زوج نورا بمرض خطير، فينصحه الأطباء أن يسافر إلى ايطاليا للاستشفاء. لكن المال لم يكن متوفراً، فاهتدت زوجته نورا إلى كروغشتاد، الموظف في أحد المصارف، ليؤمن لها قرضاً. ولكن، في ذلك الوقت، لم تكن القوانين تعترف بإمضاء المرأة على سندات القرض، وحيث أن زوجها كان يفضل الموت على الاقتراض، لم يبق أمام نورا إلاّ اللجوء إلى والدها، لكنه كان مريضاً ولا يمكنها مفاتحته بهذا الموضوع. وحين توفّى والدها، تعمد نورا إلى تزوير إمضائه وتحصل على النقود.
ويسافر هيلمر للاستشفاء، ثم يعود لبيته معافىً دون أن يستفسر عن مصدر النقود التي حصلت عليها نورا. ثم يصبح مدير البنك الذي يعمل به كروغشتاد. وهناك، يقوم هيملر – لتمسّكه بالقيم والنظام الدقيق- بطرد كروغشتاد لتورطه بتزوير إحدى المعاملات المالية. فيلجأ كروغشتاد إلى نورا كي تشفع له عند زوجها، وتوافق لكنها تخفق. فيعمد كروغشتاد إلى تهديدها بإطلاع زوجها على سر القرض المالي، كما يهددها بتقديمها للقضاء لأنه اكتشف أن إمضاء والدها مزور. فتكرر محاولتها إقناع زوجها بالعفو عن كروغشتاد ولكن دون جدوى. فيعمد الأخير إلى إرسال خطاب إلى هيلمر يكشف فيه أمر القرض، ويهدده بكشف الأمر للعلن وتشويه سمعته وسمعة زوجته.
يفقد هيلمر أعصابه، ويكيل لنورا سيلا من الاتهامات والشتائم. ولكن عندما يصله خطاب آخر من كروغشتاد يتراجع فيه عن تهديداته، تنفرج أسارير هيلمر، ويقفز صائحاً بفرح: لقد نجوتُ يا نورا، لقد نجوت. لينكشف أن ما أرّق هيلمر هو محافظته على سمعته وحده وحسب، أما زوجته فقد نسي ذكرها في هذه اللحظة. وهنا تتولّى نورا تقديم المقطع الختامي الشهير للمسرحية، فتقول:
نورا: سأخلع عن نفسي ثوب الدمية لأنني لم أعد أستطيع الحياة معك أكثر. كان أبي في ما مضى يسر إليّ برأيه في كل كبيرة وصغيرة فنشأت أعتنق آراءه نفسها، وإذا حدث أن كوّنت لنفسي رأيا مخالفا كنت أكتمه عنه خشية أن أضايقه. وعندما انتقلت لأعيش معك انتقلت من يد أبي إلى يدك ووجدتك تنظم الكون من زاويتك الخاصة فتبعتك في الطريق المرسوم، أو تظاهرت بأنني أتبعك. أنت وأبي جنيتما عليّ. والذنب ذنبكما إذا لم أصنع من حياتي شيئا ذا قيمة. يجب ألا أعتمد إلا على نفسي وهذا ما يدفعني إلى الانفصال عنك. أريد أن أزن الأشياء بوحي من فكري أنا، لا من فكر الغير، وأن أرقى بنفسي إلى مرتبة الفهم والإدراك. وتصفق نورا الباب مغادرة، وتنتهي المسرحية.
ومن الملاحظ خنا أن إبسن قد إبتكر إبسن في هذه المسرحية تقنية جديدة في بناء المسرحية، فحيث أن المسرح الكلاسيكي بنى أعماله على أساس المقدمة ثم العقدة ثم الحل، فإن بيت الدمية جاءت وفق تقنية المقدمة والعقدة ثم النقاش أو الجدل. وهي بنية مسرحية كتبت وتكتب بها الكثير من الأعمال المسرحية. ومن هنا تعرض للهجوم والإستغراب حينها.
"زنود الست" كوميديا نسائية مسرحية العام 2014،تعرض قضية المرأة، وحقوقها وإقرار قانون العنف الأسري، هذا الملف الذى كان وما زال أحد أبرز القضايا التي أثارت اهتماماً ونقاشات وفعاليات مستمرة . إلاّ أنّ عرض «زنود الست» المسرحي فشل حينما أراد إعادة عرض الكاتب المسرحي النروجي «هنريك إبسن» في مسرحيته الشهيرة «بيت الدمية» (1878-1879)، إذ عاد إلى داخل المنزل، إلى الحياة الزوجية الروتينية، لينطلق في تقديم رؤيته لحياة المرأة وأزماتها. وكأنّ كل هذه السنين لم تغيّر في صورة «نورا» بطلة مسرحية إبسن أي شيء، ولنجد أنفسنا نحيّا في القرن التاسع عشر مرّة أخرى، أو أننا لم نغادره بعد فيما يتعلق بقضايا المرأة على الأقل. والقضية واضحة أيضاً فى نص «امرأة وحيدة» للكاتب الإيطالي «داريو فو» وفرانكا راما ونص «جلد إلزا» للكاتبة الكندية كارول فريشيت.
ينطلق العرض، ليقدّم «أمل» ، وندخل عالمها السحري، مطبخها، تفاصيل روتينها اليومي، إهتماماتها، وحدتها، علاقتها مع عائلتها وعائلة زوجها. وما بين الغناء والرقص، والحركة الموتورة، والخطاب اللغوي السريع الذي يكاد لا يعرف توقفاً، ويُنطق به يُذكر بالمرضى العُصابيين، ما بين كل هذا وذاك تتكشّف أزمات «أمل»، ونتعرّف إلى آلياتها في المواربة على خيبات أملها، هروبها من إعترافها بفشلها أو عدم رضاها عن نمط حياتها وعلاقاتها، لنصل إلى النتيجة المتوقعة بتحوّل مفاجئ في النهاية لشخصيتها أو مُصارحة مع شخصيتها الحقيقية.
إلاّ أنّ العرض أخفق في تحقيق أي مقاربة نجاح مع الأيقونة الأشهر «بيت الدمية» التي إختتمها «إبسن» بقرار بطلته ترك منزلها والإنطلاق إلى العالم، فتخرج وهي تصفع باب منزلها خلفها، ومع الأثر الكبير الذي خلّفه نص «ابسن» وقتها في أوروبا أجمع، خاصة لقضية المرأة، اشتهرت مقولة: (أنّ نورا هزّت بصفعتها هذه أوروبا).
ساعة وعشرون دقيقة لم ينجح خلالها عرض «زنود الست» بكسر رتابة التكرّار في تقديم الصورة النمطيّة لسيدة عالم الإعلانات في ستينيات القرن المنصرم، وتقديم جديد لقضية المرأة يشد المشاهد، على الرغم من الأغاني والرقصات وتعدد الإكسسوار على خشبة المسرح، وحتى الكوميديا التي وقعت في فخ الهزل أحياناً لم تكن كافية لإنقاذ عرض لا يقول جديداً. وبقيّ العرض يتراوح في دائرة الضجيج والفوضى أكثر من كونه عرضاً ينبض بالحياة، خاصة مع غياب التنسيق في تعاقب حركات المؤدين على الخشبة، وفقدان التناغم في إيقاع الأداء النسائي والذكوري وبين الاثنين معاً، كما في عدم ضبط لعبة «المسرح داخل مسرح»، في أجهزة ونظام الصوت الذي طغى أحياناً على صوت الممثلات، وحتى مع صوت الممثلات الذي كان يرتفع أحياناً في الغناء دون أن يكون مناسباً أو ملائماً. فماذا يقول العرض الطويل هذا في نهايته؟
وهوجم إبسن بسبب تقديمه شخصية الزوجة بهذا الشكل، وعن جرأته تقديم شخصية الزوجة التي تشارك في تحمل الأعباء المالية للحياة الزوجية، فتستدين وتتورط في الدين، وتزور إمضاء أبيها. والأدهى هو كيف تغادر بيت الزوجية غاضبة ثائرة وتصفق خلفها الباب. ولكن المتمعن للمسرحية يدرك أن إبسن جعل من شخصية الزوج رمزاً للنفاق الاجتماعي أو الأنانية، فهو لم يكن مستعداً للاستدانة، ولكنه لم يسأل زوجته عن مصدر المال الذي قدّمته لرحلته. فهنا نحن أمام ازدواجية في المعايير، ونظرة تخرج المرأة من إنسانيتها، إلى مجرد شكل جميل، أو دمية.