أمــيــرة الشرق
فكت جدائل شعرها الأثيث،
نثرته على كتفيها كان في،غاية الحلكة تتنعم مع الريح بفوضى وجودها،عميقة العينين فيهما حزن دفين تنظر إليك بنظراتها الحالمة تأخذك . لعالمها أزلي الوجود، تشعر وكأنك تراقص النجوم وتداعب القمر تغمرك سعادة تكفي الأرض ومن عليها. ساحرة الجمال و اللطف والعذوبة يقطر من وجهها،
في نظرتها شيئ غريبٌ لٱ أدرك له تفسيراً غير العتب واللوم .رفعت جبينها المذهب فطأطأت الشمس،خجلا منها .مشت تتمايل بخطواتها مشى الوجود معها وغنت الأحلام انبثق نجم الشرق تضوع عطر الزمان فواحا من عبق غرائزها الدفينة منذ الأزل.
انبهرت بجمالها، ارتميت بين أحضانها، شممت عطرها فأصابني دوار شديد أغمي علي تماماً
وكأنها عجلة دارت حول الزمن لأجد حمورابي، نبوخذ نصر أنفسهم ..سومر وبابل وأكد وآشور
كما رأيت هناك سرادق عزاء، يتصدر المجلس المتنبي وأبو تمـٱم ويرافقهم أبو نواس وعلى يمينه المعري. وسرداق ثان.ٍيجلس فيه . السياب والرصافي ونازك ارتسمت على وجوههم ملامح الحزن والأسى أما الجواهري فقد كان يستقبل المعزين، طه حسين وأحمد شوقي، والقباني والمفدي،زكريا وابو القاسم وابراهيم طوقان .
اما فائق حسن يتوسط السرادق ويرسم. صورة للنواب تساعده بالتصميم زها حديد ولميعة عمارة ترتب صينية فيها اليأس والشموع. وأعواد البخور، وما إن أشعلت البخور حتى استفقت من الإغماء الذي أصابني،
فجفلت هاربا من بين ذراعيها.
وصرخت بوجهها من أنتِ؟؟
التفتت لي بليونة ورقة وقالت أنا خلطة عجيبة من صلصال مواد حضارات جرفتني أودية الأزمنة الجارية. والعناقيد المتدلية من الجنائن المعلقة والجبال العالية،
أنا النخيل ومياه الأهوار والبردي، أنا الناي الحزين الذي يعزف لحن الحب عبر ثقوب التاريخ
منذ زمن مضى أسير على الشاطئ، تارة ً مقيدة بأغلال البرابرة وتارةً أخرى حرة طليقة تراقص جدائلي أمواج دجلة ونوارسها. زمن طويل مضى وهي تروح وتجيء تحارب الظلام حتى انقشاع العتمة وانبلاج الفجر فذلك الضوء الناعس المنبعث من وراء الغيم يرسم لوحة رمادية مدقوقة بحائط الأفق على مدار الأزمنة. يؤنسها صوت مجاديف وأهازيج البحارة في نهر دجلة تغفو على حديث ألف ليلة وليلة تبتسم لمغامرات السندباد وترقص فرحا بملابسها الأنيقة ما بين الرصافة والكرخ.
كانت الرياح تصفر دائماً وتعزف ألحانا غريبة تصطف الغيوم السوداء حتى تغطي سماء وجهها فأخذ يفقد أبعادة أحست بالتعب،
أنهكتها رحلتها الطويلة، خفت نورها احدودب ظهرها تلك الأبنية فاغرة الفم تسكنها الاشباح وقطاع الطرق مزقوا رداءها الجميل. غرسوا راياتهم الملونة في قلبها وكل راية ألف قوة تشدها الى ألف جهة تقطعت أوصالها.
مد الشيطان مخالبه حول جسدها فأصبحت شوارعها ضيقة وانغرست في أعماق الاذرع الجائعة. ذئاب تعوي في كل مكان ترفع رايات وهتافات تغتال الحياة
و الأبنية ملطخة بالأصباغ المزيفة تنبعث منها رائحة الموتى،الغبار والرماد والدخان غطى زرقة السماء،ولهب النار حولها يلتهم بقايا أفق حزين الرياح تشتد وطأتها في سكون الظلام صخب قابع بأعماق روحها أوجاع موغلة فتعرت جراحها الضماد أعلن الهزيمة تخفي ندوبها بأطراف ثيابها الممزقة شهقت بحسرتها وتجهش ببكاء صامت وهي تركض عارية القدمين بالحقول الدبيب والخدر ينمل أطرافها تختنق بعبرة مالحة حد المرارة سحبت من أعلى رأسها ذلك الشال الذي لفه برابرة البشر ورفضت طقوس التحنيط عدلت ثوبها لتقف على حافة النهر شامخة رغم العتمة تشع بالضوء كوميض القمر
حيدر الفتلاوي /العراق